لم يكن الصوت خافتاً أو مشوشاً. ذلك الذي عبرت عنه مسرحية "أنا مش سامعك" ضمن فعاليات "أسبوع الأصم العربي" إنما كان عالياً صارخاً ينبهنا جميعاً إلي حقوق الصم المهدرة بيننا وكيانهم ووجودهم المهمل. ولعل أكبر دليل علي غفلتنا عن هذه الفئة التي لها حق علينا أن الاحتفالية التي أقمناها بهذه المناسبة كانت تقام للمرة الأولي بالتعاون بين المؤسسة المصرية لحقوق الصم واتحاد آفاق مسرحية علي هامش فعاليات الأسبوع الثامن والثلاثين من "أسبوع الأصم العربي". كان لي شرف حضور هذه الاحتفالية بمسرح البالون برفقة الدكتور سيد جودة عضو لجنة الفتوي بالأزهر وإمام وخطيب مسجد القللي وسط مجموعة كبيرة من الصم. كنت أتأمل عالمهم وهم يتحدثون جميعاً بلغة الإشارة. حتي عبر الهاتف المحمول. يرفع المتحدث منهم الهاتف إلي أعلي بحيث يكون وجهه مرئياً للطرف الثاني ويتحدث إليه بأصابعه. ومثلما كانت الاحتفالية هي الأولي من نوعها في مصر كان العرض المسرحي "أنا مش سامعك" تجربة مسرحية أولي علي مستوي مصر والعالم يؤديها الصم والبكم فقط. يتحدث عن مشاكلهم التي يجدونها خلال تعاملاتهم اليومية في ظل غياب من يفهمهم. لا دكتور يشخِّص حالتهم ولا شخص يعرف ماذا يريدون عند طلب شيء ما. تألق في العرض عمرو سعيد وإسلام شعبان وآمال مصطفي وأحمد عبدالنبي ومحمد قطب وداليا المتولي ونهي ربيع وندي محمد والطفل عبدالرحمن عاطف ومترجمة الإشارات إيمان وتأليف وأشعار أيمن النمر وألحان إيهاب حمدي وتصميم إضاءة محمد فتحي وإشراف عام نادية عبدالله ومن إخراج شريف فتحي. وما بهرني أكثر أن يوم الاحتفالية لم يكن مقصوراً علي العرض المسرحي فقط بل تضمن أيضاً معرضاً للفنون التشكيلية وفنون الفوتوغرافيا والمشغولات اليدوية التي هي من صناعة الصم والبكم كما تضمنت ندوة علمية حول كيفية التأقلم معهم في الحياة وأنه ربما يكون هذا الشخص أخاً أو أختاً لنا في يوم ما فيجب أن نحسن تعاملهم ونتعلم لغتهم. وكان وراء هذا الجهد الكبير المخرج شريف فتحي الذي ظل يواصل الليل والنهار منذ أكثر من ثلاثة شهور لتحضير هذا اليوم بما تضمنه من فعاليات إبداعية أكدت لنا أن الصم والبكم ليسوا أقل من الأصحاء إبداعياً بأي حال وعلينا أن نتجاوز الحاجز بيننا وبينهم ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع. نجحت الاحتفالية في تسليط الضوء علي ذوي الإعاقة السمعية خاصة وعلي ذوي الاحتياجات الخاصة عامة من أجل تمكينهم للقيام بدور فاعل وإيجابي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لوطننا الذي يحتاج الآن إلي سواعد جميع أبنائه متكاتفين متحابين مخلصين له مترفعين عن مصالحهم الضيقة.