منذ شهر تقريبا نشرتم عبر هذه النافذة قصتي تحت عنوان "حوار العمر الافتراضي".. هذا الحوار الذي مهد أمامي الطريق لكي أطوي أصعب صفحة في مشوار حياتي.. صفحة أخذت من سنوات عمري الكثير لكن رغم مرارتها كانت سبيلي لمزيد من التقرب إلي الله.. وإلي الغلابة وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير. حقيقة لا أدري من أي نقطة أبدأ؟ فالكلام لن ينتهي وما يجيش به صدري لعظيم صنيعكم معي لا أجد في قاموس اللغة ما يعبر عنه.. فقد أفردتم لي المساحة المناسبة للحديث عن اطلال حياتي السابقة منذ ان هجرتها وطويت صفحتها لأكثر من 13 سنة نسيت فيها أولادي وتركت احفادا صغارا بعد ان باعدت بيني وبينهم افعال آبائهم معي فصار كل معرفتهم بالجد الغائب هو ذلك البرواز الذي يحمل صورته في احدي ردهات منزلي الكبير. لقد ساعدتموني علي وضع يدي علي مواطن الداء التي عصفت بكياني وأبوتي ووصفتم لي الدواء ليس فقط بشرح فصول مأساتي مع أبنائي إنما بتلبيتكم مطلبي في نشر اسمي تحت إلحاح مني وتحفظ منكم حرصا علي أواصر العائلة.. لكن لولا إلحاحي ونشر الاسم ما عرفني أولادي.. وما أسرعوا في البحث عني حتي توصلوا إلي أرقام هواتفي المحمولة التي قادتهم إلي عنواني. استقبلوني بالبكاء والشكوي.. بين مقبل للرأس.. واليد.. حين رأوني علا بكاؤهم وارتموا في صدري يرجونني العفو والصفح ولم يهدأ صراخهم وتتوقف دموعهم إلا بعدها سمعوا مني هاتين الكلمتين "مسامحكم يا ولادي".. هذا السماح الذي قيدته بشرطين لا ثالث لهما الأول ألا اترك خدمة الفقراء والمساكين وزوار مساجد آل البيت هؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام من أسباب ابتعادهم عني ونفورهم مني. أما الشرط الثاني فهو مناداتي بلقبي الجديد الذي أعتز به وهو الشيخ صلاح محمد خلف الله الرفاعي الحسيني.. هذا اللقب الذي ما كنت استحقه لولا استزادتي من نهر العلوم الروحانية وحصولي علي دبلوم في علوم القرآن من جامعة الأزهر. هكذا عاهدني أولادي "بنين وبنات" علي الوفاء بالشرطين.. عهد أعقبه تواصل من جديد لتعود روح العائلة واللمة.. فتحية شكر لنافذتكم التي جاءت لي بالفرج من أوسع أبوابه. برجوع أولادي إلي جادة الصواب ليعترفوا بما اقترفوه من ذنب في حقي حين أقاموا ضدي دعوي "حجر" حتي لا اتصرف في أموالي. هذا الذنب الذي أدركوا فداحته وبشاعته عندما نزلت بهم المصائب من حرائق وأوجاع.. ابتلاءات ثقيلة ارشدتهم إلي طريق التوبة إلي الله قبل أن تزل اقدامهم في هوة الكبائر ان ظلوا عند عقوقهم لي. الشيخ صلاح محمد محمد خلف الله القاهرة ** المحررة: في البداية ليسمح لي الشيخ صلاح باستعارة عبارته التي استهل بها رسالته "أنا لا أدري".. فأنا لا أدري لمن أقول "كفارة"؟ هل لأولادك الذين تحرروا من سجن العقوق والذي جرفهم إليه مكافأة نهاية الخدمة حين اقاموا ضدك الدعوي المزلزلة لتكون الفاصلة بينك وبينهم وأنت الذي لم تبخل عليهم طوال حياتك بشيء.. فهيأت لهم الحياة الكريمة من وظيفتك الكبيرة بأحد البنوك حين اقمت بيتا للعائلة يضم شقة لكل بنت من بناتك حتي لا يبعدن عنك بعد الزواج. بناتك اللائي ولمن لم يقرأ قصتك عشت من أجلهن راهبا لأكثر من 19 سنة بعد وفاة الأم لا تأتي لهم بزوجة أب!! بناتك وأولادك الذين كبروا وتزوجوا وتقلد منهم من تقلد الوظائف المرموقة وبدلا من العرفان ورد الجميل.. كان منهم ما كان من حجر وهجر.. و.. وعفا الله عما سلف. أعود لأسأل لمن أقول "كفارة"؟ ألك أنت أيها الشيخ الزاهد "؟" بعدما تحررت من سجن الوحدة والوحشة وبدأت تطوي السنين العجاف التي لم تذق فيها سوي مرارة العقوق.. المرارة التي كادت تأتي علي الأخضر واليابس في حياة أولادك حين خرجت احدي بناتك تبحث عنك فمن يغيتها غيرك بعدما اضرمت النيران في املاكها وشقيقاتها!! هذا الحريق الذي كان سببا في حضورك إلي "المساء" لتروي لنا المأساة التي كنت تتحسب وقوعها من منطلق ايمانك ومعرفتك بأن العقوق من الكبائر التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا لكن ابناءك تعلموا الدرس واستوعبوه جيدا فكان اسراعهم في البحث عنك والوصول إليك بمجرد ان طالعوا نداءك إليهم في حوارك معي.. هذا الحوار الذي قدمت فيه نموذجا للإنسان الشجاع حين لم تتردد في إجراء وقفة مع النفس.. وقفة رحت تحسب فيها عمرك الافتراضي وما تبقي لك في هذه الدنيا.. فاتجهت بكل روحك وكيانك ملتمسا من الله التوبة الخالصة لتأتي البشائر الواحدة تلو الأخري لتؤكد القبول والرضا. هنيئا لك يا عائلة الشيخ صلاح خلف الله بانتصارك علي الذات ورجوعك إلي الحق الذي هو في النهاية "فضيلة".