لم تردعه سنوات السجن وقسوة أيامه الموحشة - أو برودة لياليه الطويلة ووحدته فقد عشق الحياة خلف القضبان.. وكلما أفرج عنه عاد مرة أخري إلي زنزانته التي عشق الحياة بين جدرانها المظلمة. فشل ابن شبين الكوم في دراسته.. ولم يتحمل معاملة الأسطوات وأصحاب الورش في المهن المختلفة التي حاولت أسرته الحاقه بها ليتعلم حرفة يتكسب منه رزقه.. كان الهروب شعاره في الحياة.. سواء في دراسته أو عمله.. كان يسعي وراء حلم لم يستطع الوصول إليه.. كان الثراء هو الحلم الذي يراود عقله الصغير.. وكانت المهن التي التحق بها لا تشبع جشعه إلي المال. اختار أسرع الطرق لجمع المال.. وظن أن عالم الاجرام الذي قرر اقتحامه هو الطريق الأسهل لتحقيق أحلامه واختار العمل في تجارة المخدرات مستغلاً علاقته ببعض التجار الذين كان يقضي معهم سهرات المزاج وتعاطي الصنف. حصل علي كمية من نبات البانجو المخدر لتوزيعها علي أصحاب المزاج ومدمني الصنف مقابل حصوله علي نسبة من الأرباح.. وخلال ساعات قليلة تمكن "العاطل" من ترويج بضاعته.. وسلم الثمن للتاجر ليحصل علي مكسبه من عمله في أول أيامه في عالم الشر ويشتري به بضاعة جديدة لترويجها في اليوم التالي. وأقام له الأصدقاء ليلة استضافوه فيها وقدموا له المزاج والفرفشة احتفالاً بانضمامه إلي شلة المزاج ودخوله عالمهم المظلم. راجت تجارته وتدفقت الأموال بين يديه فزاد نشاطه طمعاً في مكاسب أكبر وأرباح أكثر من عمله في تجارة الصنف.. وأصبحت له شهرة واسعة بين مدمني المزاج.. يتدافعون إلي وكره طلباً لاحتياجاتهم التي يوفرها لهم كل حسب مزاجه الخاص. لم يكتف بترويج بضاعته من خلال الوكر الذي فتحه في قريته الصغيرة.. بل راح يروج بضاعته وسمومه بين التجار وأصحاب الورش بانحاء المدينة حيث يمر عليهم في المحلات وأماكن تواجدهم ليسلمهم المزاج ويحصل علي الثمن والأرباح التي زادت مع زيادة نشاطه. ظن أنه اقترب من تحقيق أحلامه.. وأنه صنع لنفسه مكاناً بين كبار التجار وأصبح له شهرة في سوق المزاج.. لكنه فوجئ برجال مباحث المنوفية يلقون القبض عليه متلبساً بحيازة "البانجو" والاتجار فيه.. ويتم الزج به خلف القضبان للمرة الأولي.. ويتم تسجيله جنائياً بالمديرية كأحد تجار المخدرات. بعد قضاء فترة العقوبة داخل الزنزانة تم الافراج عنه.. وعاد مرة أخري بحثاً عن مكانته في سوق المزاج لكنه عاني كثيراً ليحصل لنفسه علي مكان بين الكبار.. لكن رجال المباحث كانوا له بالمرصاد.. فألقوا القبض عليه مرة أخري ليعود إلي زنزانته من جديد. وتكررت زياراته إلي الزنزانة الأكثر من خمس مرات خلال رحلته في عالم الاجرام.. لكنه لم يرتدع أو يفكر في تغيير نشاطه أو الابتعاد نهائياً عن تجارة السموم وهجر عالم الاجرام.. لكنه ظل علي ضلاله.. وكله أصرار علي أن يستمر في طريقه إلي النهاية بحثاً عن الأحلام التي راحت تنهار بين ظلمات الزنزانة وجدران السجن الذي عشق الحياة بين جنباته. وفي المرة الأخيرة "السادسة" حاول "العاطل" أن يمارس تجارته ونشاطه بعيداً عن عيون رجال المباحث ونجح في الهروب بعدة عمليات تمكن من خلالها في استعادة بعض من مكاسبه ووضعه بين الكبار.. لكن عيون العقيد أيمن يوسف رئيس مباحث مكافحة تجار المخدرات بالمنوفية كانت له بالمرصاد.. وراحت ترصد تحركاته بعد أن بلغته معلومة أن "العاطل" عقد صفقة العمر استدان جزءا من ثمنها وباع كل ممتلكاته لتوفير نفقات الصفقة.. وبعد أن تسلم البضاعة.. وعند عودته إلي وكره فرحاً بصفقة العمر فوجئ بالمقدم ولاء التاج وكيل مباحث المخدرات ومعاوني مباحث الإدارة في انتظاره يلقون القبض عليه متلبساً بحيازة كمية كبيرة من نبات البانجو المخدر. تحرر محضر بالواقعة وبعرض "العاطل" أمام العميد جمال شكر رئيس المباحث الجنائية بالمنوفية اعترف المتهم بحيازة المخدرات بقصد الاتجار.. وأمر اللواء أحمد أبو الفتوح مدير إدارة البحث الجنائي باحالته للنيابة التي أمرت بتحريز المضبوطات وحبس المتهم 4 أيام احتياطياً علي ذمة التحقيق.. وأعاده "العاطل" إلي زنزانته.