قدر المصريين أن يعيشوا هذه الأيام ومنذ فترة ليست بالقصيرة حالة من التشبع باليأس لاضطراب حياتهم في كل ما يمس نشاطاتهم اليومية للدرجة التي أصبح كل فرد يشعر انه لا يعيش في وطنه مصر. عندما تجد الإضرابات تتسع لتطول كل بقاع مصر. وقطع الطرق الزراعية والصحراوية وخطوط السكة الحديد.. وعندما تجد أصحاب المخابز يمتنعون عن العمل أو يهددون بالتوقف وعدم إنتاج رغيف العيش الذي هو عصب الحياة للشعب.. وعندما تجد ان البلطجية مازالوا يمرحون في كل مكان يسرقون بالإكراه ويقتلون إذا استدعي الأمر.. وعندما تجد الشباب يتساقطون قتلي في الصدام مع الشرطة.. وعندما يتم السطو يومياً علي سيارات نقل الأموال.. وعندما لا تجد وسيلة مواصلات فوق الأرض ولا تحت الأرض.. وعندما تتذلل لسائق تاكسي ليقلك إلي المكان الذي تقصده فيرفض بقلة ذوق.. وعندما تفاجأ بقطع التيار الكهربائي دون سابق إنذار.. وعندما يقف سائقو الشاحنات والميكروباصات طوابير مصطفة أمام محطات البترول بحثاً عن السولار فلا يحصلون عليه وتنتقل عمليات سقوط القتلي من طوابير العيش إلي طوابير السولار.. وعندما لا تأمن علي نفسك في طريق السفر خوفاً من المجهول الذي ينتظرك.. فمن حقك ان تتساءل: هل هذه هي مصر التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا آمنين يمارسون حياتهم بكل سهولة ويسر؟! هل هذه مصر التي كنا نأملها بعد الثورة؟! بالأمس استطعت بشق الأنفس ان أحصل علي "تاكسي" ليقلني من شارع قصر العيني إلي مستشفي عين شمس التخصصي لزيارة مريض وكانت الساعة قد قاربت الخامسة مساء.. سلكنا الطريق المؤدي إلي مجري العيون مروراً بمحكمة جنوبالقاهرة فوجدنا ان يوم الحشر للسيارات قد حل علينا.. توقفنا نصف ساعة كاملة دون حراك وأخيراً استطاع السائق ان يعود بنا إلي شارع قصر العيني من المنطقة التي انطلقنا منها. ثم سلكنا طريق الكورنيش "عكسي" إلي ميدان عبدالمنعم رياض إلي كوبري أكتوبر حتي العباسية لنصل إلي المستشفي بعد ساعة ونصف الساعة!! نتوجه بالسؤال إلي الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء: هل تشعر سيادتك بما يعانيه الناس؟! أم لا؟! ظني أنك تشعر فعلاً. ولكن ما باليد حيلة!! هل يوجد لدي أحد من المواطنين أمل في انفراجة قريبة لكل أو بعض هذه المشاكل؟! وما السبيل إلي ذلك؟! وزارة الداخلية نفضت يدها تماماً من مسألة الأمن ومسألة المرور ولا يعتقد أي عاقل أنها تستطيع ان تسيطر علي الموقف. فالأمور أصبحت فوق طاقتها. ومن هنا لا غرابة ان يقوم أفراد من المواطنين بدورها ودور النيابة والقضاة وينفذون القصاص من البلطجية بأيديهم يقتلونهم ويعلقونهم كالذبائح.. وكأننا في دولة جزارين لا في دولة قانون. نحن في حاجة إلي من يضبط إيقاعنا.. وأكررها: نحن في حاجة إلي من يضبط إيقاعنا.