ثبت بما لا يدع مجالا للشك ولا ثقبا للظن.. فشل السياسة المتبعة في دعم غير القادرين أو الفئات الفقيرة في مصر.. كما ثبت أن الدعم يشكل بوابة واسعة ومنظومة شريرة.. ومستنقعا خصباً للفساد بكافة أنواعه وأشكاله!! خذ مثلا دعم رغيف الخبز.. وكلنا نعلم أنه يذهب إلي جيوب بعض أصحاب المخابز ممن يوصفون بأنهم منعدمو الضمير أو ممن لم تعد تكلفة الإنتاج التي حددتها وزارة التموين مجدية بالنسبة لهم فاضطروا لبيع جزء من حصة الدقيق في السوق السوداء لتغطية نفقات الانتاج وتحقيق "ربح" معقول وفي أحيان أخري يبيع البعض أغلب حصة الدقيق لتحقيق أرباح تدخل في نطاق الحرام. ويجنون من وراء ذلك ثروات طائلة. بدلا من إنتاج الخبز وبيعه بالسعر المعدم للمواطن الفقير.. ولا يخفي علي أحد أن ذلك كان يتم بعلمه ومشاركة بعض مفتشي التموين الذين كانوا يشاركون في هذا الفساد ويحصلون علي نصيبهم من الربح الحرام. الأمر نفسه كان يحدث في أنبوبة البوتاجاز.. حيث استفاد من الدعم مجموعة من البلطجية والموزعين وأصحاب المستودعات. فوصل سعر الأنبوبة في بعض الأوقات إلي 50 جنيها. علي الرغم من أن سعرها الرسمي لم يكن يتجاوز ثلاثة جنيهات.. وحتي الآن في ظل اختفاء أزمة البوتاجاز. فإن سعر الأنبوبة حاليا يتراوح بين 15 و20 جنيها. لقد بدأت الحكومة نظاماً جديداً. لإنتاج الخبز وبيعه علي أمل وصول الدعم لمستحقيه.. وحسب فهمي لهذا النظام. تقوم وزارة التموين بتسليم الدقيق للمخابز بسعر السوق لتنتجه في صورة خبز.. ويباع الرغيف للمواطن بسعر خمسة قروش. علي أن تدفع الدولة لصاحب المخبز فارق التكلفة. ونحن نعلم.. أنه في ظل الزيادات المتلاحقة في معدلات التضخم فإن التكلفة سوف تتغير بين فترة وأخري وسوف يترتب علي ذلك مشكلات بين أصحاب المخابز والوزارة. بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. من أيد عاملة وأدوات إنتاج الخبز ووقود وغيرها. وفي ظل النظام الجديد.. من يضمن أن يقوم صاحب المخبز بإنتاج كامل حصته من الدقيق؟.. ومن يضمن ألا يبيع الدقيق حتي بسعر استلامه من الوزارة. مكتفيا بالاستفادة بما تدفعه له الوزارة كفارق بين سعر الرغيف وتكاليف الإنتاج.. ويستريح من هموم إدارة وتشغيل المخبز والتعامل مع طوابير المشترين.. والبحث عن عمال وغير ذلك؟ مما يرجح الاحتمال السابق.. أن مسألة الكروت الذكية هذه. هي غير مجدية - في اعتقادي علي الأقل - خصوصاً وأن معظم الأوساط الشعبية أو الفقيرة ربما لم تتعود علي التعامل بمثل هذه الكروت.. ويتردد أنه رغم بدء التجربة الجديدة في عدد من المحافظات. فإن هذه الكروت لم يتم توفيرها حتي الآن!! وأذكر أن وزير تموين سابق كان قد أقر في حوار صحفي بوجود ما يسمي ب"الصفقات الورقية" بين الوزارة وبعض مصانع إنتاج المكرونة. عندما كان يتم صرف المكرونة بسعر مدعم للمواطنين كبديل للأرز علي بطاقات التموين.. بمعني أنه كان يتم إبرام هذه الصفقات علي الورق فقط. دون ان يتسلمها المواطن الذي كان يعزف علي استلام المكرونة كبديل للأرز.. فأين كان يذهب الدعم المخصص للمكرونة؟!! وكم سمعنا عن أن ميزانية الدعم يتسرب جزء كبير منها لأمور أخري ومصاريف تدخل في إطار "دعم" عمليات تلميع كبار المسئولين أو الانفاق علي الدعايات الانتخابية أو إقامة الحفلات والمهرجانات.. وغير ذلك مما كان يحدث في غياب الشفافية خلال العقود الماضية. لقد كان الدعم - وأرجو ألا يظل - وسيلة للتلاعب بحقوق الفقراء لصالح الأغنياء والفاسدين من المسئولين المتحكمين في مصائر البلاد والعباد. وفي تصوري الشخصي أن إعطاء قيمة الدعم للفقراء نقدا هو أفضل كثيراً من تسليم هذه المبالغ لأصحاب المخابز وأجدي نفعاً من أن تدفعه الدولة للشركات الموردة للبوتاجاز أو غير ذلك مما يفتح جميع الطرق أمام الفاسدين والمفسدين للتلاعب بأقوات الشعب وأمواله!. الهند البالغ تعداد سكانها مليار و300 مليون نسمة بدأت تجربة في يناير الماضي للتحول من الدعم العيني إلي الدعم النقدي.. وأعلنت الحكومة الهندية وقتها أنه سيتم تمويل قيمة الدعم إلي حسابات مصرفية للعائلات المستحقة بدلا من منح هذه العائلات مواد غذائية أو أسمدة أو وقوداً مدعماً.. وأن الهدف من ذلك هو القضاء علي الفساد في منظومة الدعم والتأكد من أن كل ما تنفقه الحكومة علي الدعم يصل إلي مستحقيه الحقيقيين. وأعتقد أن الحكومة عندنا لا تنقصها البيانات ولا الاحصاءات التي تمكنها من تحديد مستحقي الدعم.. ولو كانت البيانات غير متوفرة فمن الممكن إعدادها وحصر المستحقين. حتي يمكن توصيل الدعم لهم كاملا غير منقوص.. ولكي نقطع الطريق علي اللصوص والفاسدين ونسد أبواب السرقة والاستيلاء علي حقوق الفقراء.. ونمنع تقديم الخبز علفا للمواشي وطعاما للدواجن!. أفكار مضغوطة: ويل لأمة مقسمة إلي أجزاء وكل جزء يحسب نفسه أمة! "جبران خليل جبران"