يترقب العالم الإسلامي هذه الأيام الجلسة التي تعقدها الأممالمتحدة لمناقشة وثيقة "إلغاء ومنع كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات" وما سيسفر عنها. أكد علماء الأزهر أن الوثيقة مرفوضة مقدما إذا أصرت الأممالمتحدة علي تفعيل بنودها التي تخالف تعليم الإسلام وفي مقدمتها مساواة الأنثي بالذكر في الميراث وإباحة الشذوذ الجنسي بين الرجل ومثله وبين المرأة ومثيلاتها وإباحة الزني وإباحة إجهاض الزوجات الشرعيات "الحرائر" بالإضافة إلي إلغاء تعدد الزوجات والقوامة والمهور وغير ذلك مما يخالف أحكام الإسلام. في البداية يرفض د. محمد أبوليلة - أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر - كل وثيقة تخالف تعاليم الإسلام.. كما أنه يرفض بشدة أن تكون الأممالمتحدة وصية علي المسلمين.. فتدخلها يمس هويتنا وثقافتنا وتقاليدنا.. فلكل أمة مطلق الحرية في أن تحتفظ بخصوصيتها ونحن ضد فكرة توحيد العالم تحت سيطرة قوي معلومة أو خفية. يقول د. أبوليلة إنه قام بالرد علي الوثيقة الشهيرة بوثيقة بكين باللغة الإنجليزية علي إثر المؤتمر الرابع للسكان التي سعي أصحابها تحت مظلة الأممالمتحدة إلي إلغاء الميراث الشرعي والقوامة والفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة واعتبار هذه الفوارق ثقافية حتي لو كانت في تركيبة الجسم حيث يري هؤلاء أن المرأة من حقها أن تمارس حياتها بحرية مطلقة دون تدخل من الرجل بما فيها ممارستها للجنس غير الشرعي ناسين أن الله عندما حرم الزني حرمه لعدم اختلاط الأنساب والإصابة بالأمراض وإشاعة الفاحشة بين الناس وغير ذلك. لذلك عندما منح الغرب الحرية المطلقة للمرأة تفككت الأسر وشاعت الفاحشة وتمنت الكثير من سيدات الغرب أن يلتزمن بأخلاق المرأة المسلمة التي كرمها دينها ومنحها كل حقوقها بعفة وكرامة إنسانية لذلك أنجبت العلماء الذين ارتقوا بالثقافة الغربية وتركوا علامات ساطعة في حياة هذه الشعوب الذين استفادوا من علمهم وثقافتهم وأخلاقهم ثم ما لبسوا أن تحرروا ففقدوا هويتهم وثقافاتهم. أكد د. أبوليلة أن المسلمين لا يقبلون المناقشة علي أصل من أصول القرآن.. لذلك يدعو الأممالمتحدة وغيرها إلي أن تتعمق في دراسة الإسلام لمعرفة الأسباب التي أعطي من خلالها الله مثلا للذكر مثل حظ الأنثيين.. ولماذا أعطي الرجل القوامة وشروطها للرجل.. ولماذا حرم الله الزني ولم يساو بين الرجل والمرأة في بعض الأمور.. فلو اطلع هؤلاء علي تعاليم وأحكام الإسلام ومبادئه بعيدا عن التعصب والكبرياء لتعلموا من هذا الدين وسماحته واقتنعوا بأن الله ميز هذا الدين بتعاليمه وأحكامه. لذلك كما يري د. أبوليلة أنه ينبغي علي الإنسان المعاصر ألا يغتر بعقله إلي هذا الحد فإن الأديان - لاسيما الإسلام - قد أوجدت أمما كثيرة وحضارات عظيمة قامت علي تعاون الرجل والمرأة بدءا من البيت حتي ساحات المعارك.. وهذه الشعوب التي يصورونها علي أنها متأخرة ومتخلفة قد حافظت علي كيان الأسرة وأنجبت أمهاتها القيادات والأبطال والعلماء وحافظت علي سلامة مجتمعاتها من الانهيار رغم التحديات التي تواجهها هذه الشعوب في هذه المرحلة لكنها سوف تفوق من غفوتها وكبوتها سريعا لأنها شعوب متحضرة رغم كل ما يحدث لها. حدود الله يقول د. أحمد محمود كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: لقد قال الله - عز وجل - "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" وقال سبحانه "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب". الشريعة الإسلامية تمتاز بأنها تجمع بين الثابت والمتغير فالثابت من أصول الدين وأصول الأحكام الشرعية.. هذه ثابتة مستقرة في الماضي والحاضر والمستقبل وهناك أحكام فروعية تقبل الاجتهاد بضوابطه وما تطرحه وثائق مؤتمرات السكان في الأممالمتحدة لا يصلح في مجتمعاتنا المسلحة فلنا صبغتنا وهويتنا التي لا نتنازل عنها وأي تلاعب أو تغيير في الأمور الشرعية المستقرة يعتبر اعتداء علي الشرع ويأثم فاعله لأنه يكون بمثابة رد الأمر علي الله عز وجل. أكد د. كريمة أن قوامة الرجل منها ما هو وهبي ومنها ما هو كسبي وليست القوامة تمايزا بل أعباء كذلك توزيع الميراث توزيع إلهي لحكم يعلمها الله سبحانه وتعالي فهو الذي أعطي كل ذي حق حقه. وتحريم الزني والشذوذ والعلاقات الجنسية غير المشروعة كلها تعاليم شرعية لا تقبل أدني تغيير.. ولذلك ما تدعو إليه هذه الوثيقة مرفوض مقدما شكلا وموضعا وجملة وتفصيلا. لذلك - كما يري د. كريمة - أنه يجب علي المؤسسات العلمية كالأزهر الشريف توخي الحذر في هذه الدعاوي وعدم المسايرة ولا الخضوع ولا الخنوع فالحق أحق أن يتبع. حقوق المرأة يقول د. حامد أبوطالب - عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة الأزهر: إن مصر من الدول المهمة عالميا في موضوع حقوق المرأة ومنحها سائر ما تستحقه المرأة وكثير من دول العالم تطالب بذات المطالب ومنها من يتجاوز ويصب تلك الطلبات في وثائق تتفق مع ثقافتنا وديننا في بعض الأمور وتختلف في بعضها الآخر وسبق أن تصدي الأزهر لمثل هذه الوثيقة وإذا حدث وتكرر عرض هذه الوثيقة فإن الأزهر الشريف سيعارضها ويقف في مواجهتها ويسقطها في جميع أنحاء العالم الإسلامي وإن كان للحق - فيما أعلم - أن الأممالمتحدة وافقت علي أن هذه الوثائق اختيارية لدول العالم ولا تطبق فيما يتعارض مع شرائع الدول وثقافاتها وإنما هي مجرد وثائق إرشادية ومن هنا فإننا سنأخذ من هذه الوثيقة ما يدعم حقوق المرأة ويمكنها وفقا للشريعة الإسلامية وما عدا ذلك فسنضرب به عرض الحائط. وكما يقولون "كل العنب واحرق الخشب" فليست الوثائق كلها سيئة ولكن منها بعض البنود التي تساعد المرأة المسلمة في الوصول إلي حقها الذي قرره لها الشرع الحنيف وحرمها منه العرف الفاسد في بعض الدول الإسلامية مثل حرمان المرأة من الميراث ومنع المرأة من التصرف في أموالها. فالشريعة الإسلامية سبقت العالم أجمع في منح المرأة الشخصية القانونية الكاملة التي بمقتضاها تستطيع المرأة أن تتملك وأن تتصرف فيما تملك جميع التصرفات ولكن بعض البلاد والمناطق تظلم المرأة وتمنعها من كل ذلك وهو ظلم يقع علي المرأة وأولي الناس بالدفاع عنها في هذا المجال هم علماء الدين المسلمون بمطالبتهم بتطبيق شرع الله وتنفيذ ذلك وعدم اقتصار الأمر علي مجرد الدعوة إلي ذلك. يري د. أبوطالب أن وثائق الأممالمتحدة تحاول تنفيذ ذلك ويؤيدها في هذا الجانب دون الجوانب التي تتعارض مع ديننا كحرية المرأة المطلقة ومساواتها بالرجل مساواة مطلقة في الميراث وتعدد الأزواج ونحو ذلك كالزواج بمثلها فكل هذه الأمور تتعارض مع ديننا وثقافتنا ولا يمكن لمسلم أن يوافق علي تطبيق مثل هذه البنود التي قد ترد في هذه الوثائق. وأود أن أطمئن الناس جميعا أن الأزهر الشريف في كامل يقظته وسيتصدي لما يخالف دين الله كذلك أرجو من المسلمين عدم التخوين للآخرين فكل مسلم هو غيور علي دينه وليس أقل من غيره من المسلمين فلا يظن مسلم أنه أشد تمسكا بدينه من غيره من المسلمين.. فكل المسلمين غيورون علي دينهم وتعاليمه.