تكاد مشاكل المجتمعات تتشابه في معظمها لأنها ترتبط بحياة الناس ومقومات وجودهم.. وان اختلفت الأفعال المعبرة عنها وردود الأفعال المصاحبة لها أو المترتبة عليها. ومصر كغيرها من الدول بها مشاكل تتطابق أو تتشابه مع كثير من مشاكل باقي الدول. وبها مشاكل خاصة بها يفرضها نسيج المجتمع وديمرجرافيته والتاريخ والجغرافيا. وبها مشاكل لم تصنعها بل فرضت عليها ووجدت نفسها فيها. وبها مشاكل مصنعة أو مخلقة أو مصدرة إلينا لها دوافع واجندات خارجية يستغلها راكبو الموجة والانتهازيون. وبها مشاكل نحن نصنعها بأيدينا نتيجة السلبية تارة والإهمال تارة أخري. انها تحديات تضعنا الآن علي "تراك" الخطر وتوجه نوبة صحيان للجميع بأن يفيقوا وينتبهوا إلي ما نتعرض له وما نحن فيه وان يضعوا مصر أولاً وقبل أي شيء آخر أمام أعينهم بعيداً عن المسكنات وحقن التخدير الوقتية والمصالح الخاصة. نحتاج إلي حلول فورية وجذرية صعبة تلملم أشلاء اخطاء مركبة.. قبل فوات الأوان. الذي ينظر نظرة عابرة علي المشهد السياسي والاجتماعي والمجتمعي والاقتصادي في مصر لن يخرج بجديد أو لافت للنظر. سيجد الحياة تسير ب "الريتم" المتعارف عليه أو اعتدناه.. وسيجد المجتمع.. طبقة أثرياء تزداد ثراء وطبقة فقراء تزداد فقراً وبينهما طبقة محدودي الدخل "الوسيطة" وهي رمانة الميزان التي تخلق التوازن. وحكومة بدأت تعود من الكوكب الآخر الذي قبعت فيه اكثر من خمس سنوات. وأحزاب معارضة لا وجود لها تتصارع فيما بينها علي الكراسي والقضايا الهامشية ولا تقدم حلاً واحداً لمشاكل المجتمع. وانتهازيين يحاولون خطف حقوق ليست لهم ويحولون أنفسهم إلي كرات لهب للضغط وليّ الذراع كتقليد أعمي يخلو من المعني والهدف. وآخرين يركبون الموجة كما اعتادوا لتحقيق مصالح شخصية بحتة أو تنفيذ اجندات خارجية. وعدواً علي الأبواب يعبث بأصابعه تارة ويمد الحرائق بمزيد من البنزين تارة أخري. هذا هو المشهد للأسف الشديد.. وهو مشهد آن له أن يتغير تغييراً جذرياً.. وأن نعلي مصالح الوطن وأمنه القومي فوق خصوصياتنا ومطالبنا واحتياجاتنا واطماعنا.. بل وانفسنا.. لأن من ينظر الي المشهد نظرة متفحصة ومتأنية وببصر وبصيرة مصريين خالصين سيجد أخطاراً لا حصر لها ومخططات لا لون واحداً لها تريد تركيع هذا البلد والقضاء عليه وتفجيره من الداخل وجعله من الغابرين. الكرة مازالت بين اقدامنا.. ولنا أن نحرز منها أهدافاً في قلب اعدائنا أو نلقيها في مرمانا فنخسر بنيران صديقة.. وستكون افدح خسارة. * * * هناك خمسة منابع للخطر علي مصر.. لابد أن نعيها جيداً ونسد فوهاتها تماماً لمنع وصول هذا الخطر إلي المصب.. مصر. * الخطر الأول الأشد.. هو إسرائيل.. سبب كل المصائب عندنا. قد يبادرني قائل متسائلاً : هل كل خطأ تعلقونه في رقبة إسرائيل؟ هل إسرائيل هي التي صنعت الفقر في مصر؟ وهل هي التي ترتكب الفساد؟ وهل هي التي باعت المصانع والشركات؟.. وهل.. وهل؟ وأرد عليه قائلاً.. ان كل هذه الأمثلة وغيرها قابلة للتغيير من خلال سياسات أو اجراءات أو قوانين تحقق المزيد من العدالة الاجتماعية وتراعي البسطاء والفقراء والأكثر فقرا وتطارد المفسدين وتحاصرهم وتحاكمهم وتوفر فرص العمل.. إلي غير ذلك. كل هذا ممكن.. ورغم أهمية ذلك.. إلا أن إسرائيل تعمد إلي القضاء علينا سواء اصلحنا انفسنا أو لم نصلح فالقضية من وجهة نظرها قضية وجود وليست قضية حدود. إسرائيل تحاول تطويقنا من الخارج.. قلبت شعارها "من النيل إلي الفرات" واصبح من "الفرات إلي النيل".. وحققته حيث وضعت اقدامها قبل 8 سنوات علي شط الفرات بعد اسقاط صدام حسين. والآن وضعتها علي منابع النيل في اثيوبيا والعديد من دول الحوض وألبتهم علينا وأخيراً هي الآن في جنوب السودان الذي سيعلن نفسه قريباً دولة مستقلة منفصلة عن الشمال.. هذه واحدة. الأخري.. وكما قلنا وقال العديدون ان شغلها الشاغل ومنذ فترة دق اسفين بين المسلمين والاقباط.. كما اعترف بذلك رئيس الموساد السابق.. وكلنا يعلم جيداً أن الأحداث الطائفية زادت جداً في الفترة الأخيرة. لم يكن صدفة أبداً ان يدلي رئيس الموساد السابق بهذا التصريح في ذلك الوقت. أو يجمع السفير الإسرائيلي حقائبه ويغادر القاهرة مع اسرته في نفس الوقت الذي يقع فيه انفجار كنيسة "القديسين" بالإسكندرية. أو يتم رصد يهوديين بجوازي سفر من استراليا في أحد فنادق الإسكندرية خلال الانفجارثم يختفيان فجأة. أو يتزامن الانفجار مع مولد أبوحصيرة بالبحيرة المتاخمة لعروس المتوسط خاصة أن اليهود يدخلون من طابا بدون تأشيرات ومن حقهم ان يتجولوا في كل ربوع مصر. أو يتم اكتشاف أن المادة التي صنعت بها قنبلة الكنيسة مادة إسرائيلية. أو محاولة إسرائيل إرباك التحقيقات في الحادث بتسريب ان مرتكب الجريمة هو تنظيم القاعدة. أو ان يرصد بعض الهاكرز المصريين رسائل علي موقع "الفيس بوك" تبشر بالانفجار قبل وقوعه بثلاث ساعات.. وان إحدي هذه الرسائل صادرة بعنوان "أول حادث انتحار في 2011" من قرية عونة في تل أبيب ولدينا رقمها الخاص. ولم يكن صدفة أيضاً أن يسقط الجاسوس المصري الأخير ويتم الكشف عن رجلي الموساد.. ثم يحدث الانفجار.. إما رداً علي كشف شبكة التجسس أو لإشغال الرأي العام عنها. إسرائيل تتجسس علي مصر رغم عقد اتفاقية سلام معها.. فهل هذه دولة تحترم الاتفاقيات والمباديء؟ وهل دولة كهذه تتورع عن إلحاق الأذي بنا في شتي المجالات؟ ألا نتوقع أن تسعي لتحقيق النموذج التونسي لدينا؟ إسرائيل عدو.. ويجب أن نتعامل معها من هذا المنطلق. * * * باقي الأخطار داخلية محلية.. المفروض أن نعيها ولا ننظر إليها ببلاهة.. بل نبحث عن حلول لها وتغيير الأوضاع بها. * السلبية.. هي الخطر الثاني بعد إسرائيل. والسلبية هنا مجتمعية.. فنحن جميعاً نشكو بيننا وبين أنفسنا من الفقر والحاجة وغلاء الأسعار وتدني مستوي الخدمات والزحام.. إلي غير ذلك.. لكن من منا طرح حلولاً ناجعة لهذه المشاكل. صحيح.. هناك دراسات.. لكنها نظرية وأغلبها غير قابل للتطبيق.. يجب أن يتحول الشعب كل الشعب الي دارسين ومفكرين يبحثون عن الحلول لمشاكلهم ويطرحونها عبر وسائل الاعلام المختلفة بأدب وذوق دون تطاول أو تجريح.. فللأسف الشديد نري وصلات من الردح والسباب في بعض الفضائيات والصحف الصفراء.. ولا نخرج من الكلام بحل واحد!! حتي أحزاب المعارضة فإنها لا تطرح رؤي أو حلولا للمشاكل.. كلها منغمسة في مشاكلها الخاصة حول الكراسي والمواقع والصراخ بأن هناك مشاكل.. دون أن تطرح الحل. نقول لهم: شاركوا. ما هو الحل.. فيأتينا الرد: هناك حكومة تحل وتربط!! فهل هؤلاء يريدون خيرا لهذا البلد؟ لابد أن يكونوا فاعلين.. فمصر ليست ملكا للحزب الوطني.. بل هي ملك للجميع.. والجميع "خدام" لها ولشعبها. * * * * الخطر الثالث هو الاهمال.. وأقصد به تحديدا تقاعس الحكومة عن الحل السريع لقضايا المجتمع. لن أبخس الحكومة حقها أيضا لأن لها إنجازات وإن فشلت في تسويقها وهي تحاول الاهتمام بالفقراء من خلال المعاشات وبطاقات التموين وزيادة المرتبات وتوفير بعض فرص العمل.. لكن كل هذا ليس هو الحل النهائي.. فرغم كل هذه الاجراءات فإن عدد الفقراء يزداد.. والأغنياء أيضاً!!. ودون أن ننظر الي كل الأغنياء علي انهم لصوص ونهيبة فمنهم حتما أناس شرفاء.. لكن هذا لا ينفي ان الكثيرين جمعوا أموالهم من حرام ومن نهب ومخالفة القانون.. وهؤلاء لابد أن يحاسبوا وبشدة. الجديد في المشهد الحكومي.. ان حكومتنا عادت من الغربة بعد أكثر من 5 سنوات.. وبدأت الاصلاح وهذا شيء جيد لاشك.. بل وتوقف بعض الوزراء عن تصريحاتهم الاستفزازية التي تمثل إعلان حرب علي الفقراء والمعدمين.. إذن.. هناك أمل في حل المشاكل الجماهيرية. * * * * الخطر الرابع يتمثل في راكبي الموجة. وهؤلاء لا يقلون خطورة عن اسرائيل.. يريدون لمصر أن تكون تونس أو العراق أو لبنان.. وهذا لن يكون. انهم منتخب من الجماعة المحظورة والحركات الفاسدة والمفسدة في الأرض مثل كفاية و6 أبريل وجمعية البرادعي وغيرها. رأوا ما حدث في تونس ويسعون الي تنفيذه في مصر لتحقيق أطماعهم هم والأجندات الخارجية التي يلتزمون بتحقيقها سواء كانت ايرانية أو أمريكية أو أوروبية.. كل همهم أن يحولوا مصر الي امارة اسلامية تطرد الأقباط وتحبس النساء في البيوت للعيش في جهل واذلال وتمنع الاستثمار والانفتاح علي العالم وتثخن في الناس القتل. هؤلاء لا يهتمون أبدا بالفقراء وان أعلنوا عكس ذلك.. كل ما يهمهم رضا "الرأس الكبير" عنهم وأن تزداد أرصدتهم في البنوك الخارجية وأن يقتنصوا المناصب ولو علي جثث المواطنين. يريدون تمزيق المجتمع ونسف سلامه وزعزعة استقراره وأمنه. لن يهمهم من قريب أو بعيد أن تضرم النار في مصر.. ألم يقل مرشدهم السابق "طظ في مصر وشعب مصر"؟ ولن تهتز شعرة من رءوسهم ان خربت مصر.. فهذا هو المطلوب من أصحاب الأجندات وما يتفق تماما مع أهداف اسرائيل ومخططاتها. لذا.. فإنني أحذر البسطاء منهم ومن ألاعيبهم وتحريضهم ومن الفتنة التي يسعون لاشعالها. * * * * الخطر الأخير هو الانتهازيون الذين يحاولون الصيد في المياه العكرة بتقليد أعمي لا هدف ولا معني من ورائه سوي الابتزاز. بعد بوعزيزي تونس.. رأينا ستة يقدمون علي الانتحار.. منهم من مات ومنهم من أسعف.. والعدد قابل للزيادة.. ولن يتحقق منه شيء.. فالإحصائيات تؤكد ان هناك 104 آلاف محاولة انتحار عام ..2009 بدون بوعزيزي! المشهد رغم ما به من أخطاء وخطايا مختلف تماما عن تونس.. كدوافع ومجريات ومعالجة وبالتالي نتائج. هناك طريق واحد أمام من له حق.. بأن يعرض مشكلته بكل الطرق السلمية والطبيعية.. سواء من خلال الاعلام. أو بالتظاهر السلمي. أو الوقوف احتجاجا. أو الاعتصام.. وكلها أدوات متاحة وشرعية.. أما الانتحار والتخريب.. لا.. وألف لا. * * * باختصار شديد.. لن تنجح اسرائيل في تفجير المجتمع. ولن يحكم مصر الاخوان أو كفاية أو 6 ابريل أو جمعية البرادعي أو المنتحرون.. لن يحكمها راكبو الموجة ومنفذو الأجندات الخارجية والانتهازيون. مصر.. دولة مؤسسات.. لها رئيس وحكومة وبرلمان وقضاء.. وشعب ضارب في التاريخ له مقوماته وعاداته وتقاليده ودياناته.. شعب يعيش في مصر وتعيش فيه مصر ولن ينساق وراء طغمة تريد شرا بهذا البلد الآمن.