تختلف الأمور في المسرح عنها في الموالد الشعبية.. ثمة منشدون في الموالد يحفل انشادهم بالكثير من الخرافات التي يمكن للذائقة الشعبية أن تتقبلها وتزيد عليها من خيالها عند إعادة حكيها وتداولها. ليس دور المسرح الترويج للخرافة وطرحها هكذا دون مساءلة.. لو علم صناع "العروض الاحتفالية" الأثر العكسي الذي تنتجه المبالغة وطرح الأمور هكذا دون بحث وتمحيص وتنقية وسؤال. لأعادوا النظر فيما يقدمونه من أعمال ربما يكون غرضها نبيلاً. لكن مردودها يكون كارثياً وضد غرضهم النبيل علي طول الخط. وتكمن مشكلة عرض "شيخ العرب" الذي يتعرض لسيرة القطب الصوفي سيدي أحمد البدوي وقدمه المسرح الحديث مؤخراً. في نص العرض نفسه الذي كتبه مجيد نجم. ففضلاً عن أنه مفكك درامياًَ فقد استسلم لغواية الموالد والقصص المتواترة عن هذا القطب والتي تضعه. أحياناً. في مصاف الأنبياء وتجعل له معجزات لا يأتيها إلا نبي.. مما يجعل هذه الكتابة. التي بالتأكيد غرضها نبيل. ضد هذا القطب بل وضد الإسلام نفسه. في أحد المشاهد يأتي لص ظريف ليسرق عنزة السيد البدوي.. كانت هناك عنزة فعلا علي المسرح ولا أدري ضرورتها. تصاب يده اليمني بالشلل. يحاول سرقتها باليسري فتصاب هي الاخري بالشلل. وعندما يحاول استخدام ساقه اليمني تشل كذلك. ويقول اللص علي طريقة افلام الكفار: شلت يداي فيأتي السيد البدوي ليشفيه من شلله في الحال ويمنحه ديناراً ويقول له اذهب واشتر فأساً واحتطب. وبالمرة يمنحه العنزة فيفرح اللص ويتوب إلي الله. قس علي ذلك أشياء كثيرة من هذا القبيل حفل بها العرض المسرحي الذي لم يخل في نفس الوقت من رقص آخر دلع وغناء عاطفي ربما يكون جيدا في حد ذاته لكن حذفه هو والرقص لا يؤثر علي بناء العرض إذا كان هناك بناء اساساً. لقد تغيرت البلاد ومن عليها.. ولم تعد مثل العروض تأكل مع الجمهور.. جلس إلي جواري ممثلون ونقاد وأساتذة مسرح لم يكفوا طوال العرض عن الضحك مع إنهم مؤمنون بالله ورسله وكتبه.. قلبت المسألة معهم كوميديا. مع انني قبل العرض توقعت أن يخرجوا بعده اكثر تقوي وورعاً ويغبطون صناعه ويدعون المولي عز وجل أن يضعه في ميزان حسناتهم!! اجتهد الممثلون في العرض. رغم كل شيء. وكان طارق الدسوقي الذي قام بدور السيد البدوي في افضل حالاته. بدا راسخاً ومتمكناً وواعياً بطبيعة الشخصية وان انفعل قليلا في بعض الأحيان نتيجة تماهيه غير المحسوب بدقة مع الشخصية. ورغم خبرة حنان شوقي فقد غلبها الافتعال وكانت تمثل من الخارج. ورغم المساحة المحدودة لناصر سيف وعلي عبدالرحيم فقد كانا موفقين للغاية وكذلك معظم العناصر التمثيلية التي لم يوزع علينا "بانفليت" بأسمائها. بذل محمد عزت الفنان الموهوب جهداً طيباً في الموسيقي والألحان وافضل ما فيها انها كانت حية واسوأ ما فيها جلوس الفرقة الموسيقية داخل "الحفرة" ولو تم وضعها علي الخشبة امام الجمهور لكان ذلك افضل. وكان المخرج ياسر صادق موفقاً في اختيار الصوتين الجميلين اللذين قاما بالغناء.. وإن لم يوفق في التعامل مع النص وغربلته من شوائبه. ولم يوفق كذلك في فكرة الراوي التي أداها بنفسه مع ممثلة أخري حيث جاءت بشكل مدرسي ولو كانت هناك دراما فعلا لاستغني عن هذا الشكل المنبري الذي لجأ إليه.. كما لم يوفق أيضا في اختيار مهندسة الديكور التي بدت قليلة الخبرة وحفلت ديكوراتها بمشاكل كثيرة سواء في النسب أو في المزج غير المبرر بين ما هو رمزي وتعبيري وواقعي. العرض تم تقديمه بنية طيبة.. لكن النيات الطيبة لا تصنع النجاح دائماً.. والمولد شيء والعرض المسرحي شيء آخر ربما يعرفه صناع هذا العرض أكثر مني.