العودة إلي الاسكندرية. إلي بحري علي وجه التحديد. حرصي الدائم منذ أبعدتني ظروف العمل عن المدينة.. العامل الأهم هو الحنين إلي المكان.. دفعتني المشاعر الدائمة. المتجددة. إلي قراءة كلمات القدامي والمحدثين عن الحنين إلي الأوطان.. العامل الثاني يتصل برباعية بحري التي كنت أعد لكتابتها. تناوشني. وأتمثل أحداثها وشخصياتها. المكان هو بحري.. أما الزمن فهو نهايات الحرب العالمية الثانية إلي ثورة 1952. البنايات القديمة. المتلاصقة. تفقد تساندها بسقوط إحداها. فهي تجر وراءها صفاً من البيوت. وملامح التغير تشمل الميادين والشوارع والحدائق. وتشمل أسماء الأمكنة. والعادات. وسلوكيات الحياة اليومية. أذكرك بموكب العروس الذي كان يطوف سبع مرات في ميدان أبوالعباس. أمام مقام السلطان. تسبقه. وتحيط به. الزغاريد. والأغنية الشهيرة: اقروا الفاتحة لأبو العباس يا اسكندرية يا أجدع ناس اختفي الميدان. واختفت- بالتالي- مواكب الأعراس. ومست عصا التغيير ملامح أخري كثيرة.. صارحت صديقي شاعر الأسطول الراحل عبدالله أبوروش بما أعانيه. فاجأني- في عودة تالية لي إلي الاسكندرية- بكتيب صغير. نوتة صغيرة. كتب صاحبها اسمه علي صفحتها الأولي: خليل السيد سليمان. بالسكة الحديد سابقاً. وأضيف- بخط مغاير- تاريخ وفاته. أحب الرجل بحري. قسمات الحياة فيه. شغل وقته- في رحلة المعاش- بتسجيل كل ما يضمه الحي من مساجد ومدارس وميادين وشوارع. ميني خطط. أو خطط صغيرة. تحاكي خطط المقريزي وعلي مبارك. فضلاً عن يوسف الجزايرلي الذي تعاني خططه المخطوطة ركنة الأدراج عني خليل بكتابة أسماء الشوارع. وتقاطعاتها. والتقاءاتها. بلا وصف جغرافي أو تاريخي. وكان في ذلك الكفاية. حتي استدعي الأماكن التي أهملتها الذاكرة. أو أصابها التغيير. لم أتعرف إلي خليل السيد سليمان في حياته.. لكنني أفدت- للغاية- من جهده الذي لم يدفعه إليه سوي حبه لبحري.. نسيت ان أهدي الرباعية إلي من أعانني علي استعادة أماكنها.. أرجو أن تكون هذه الكلمات اعتذاراً مناسبا. بالمناسبة: لقد مضي علي تأليف يوسف الجزايرلي لموسوعته عشرات الأعوام. لم يتح لي قراءتها. وان صارحني الصديق الدكتور محمد زكريا عناني بأنها تحتاج إلي تعديلات واضافات كثيرة. اذا كان الأمر كذلك. فلماذا لا نجعل موسوعة الجزايرلي نواة نضيف إليها ونحذف. ونجري ما نحتاج اليه من تعديلات. ثم تتولي احدي هيئات وزارة الثقافة أو مكتبة الاسكندرية إصدارها؟