الساعة تمام الثانية صباحاً. رن جرس الهاتف. كما هي العادة في هذا الوقت بالضبط. بحيث ان الرجل بدأ يعتاد ذلك ويترقبه. الثانية صباحاً. لا دقيقة قبل ولا دقيقة بعد. فما ان تدق ساعة الحائط معلنة الثانية حتي يسمع رنين الهاتف كأن كلاهما. الساعة والهاتف. متصل بالآخر أو هو سبب الآخر. وعلي الفور يرفع الرجل السماعة بطريقة تلقائية حتي قبل أن يفيق تماماً من النوم. فهو لا يريد أن يستمر الرنين طويلاً. فهو لايريد أن يعرف أحد من الجيران موضوع هذه المكالمات الليلية المشبوهة. كذلك لا يجب أن يتنبه إليها أحد في البيت. فيرفع السماعة قبله. مع ان هذا لم يحدث أبداً. حتي إذا تأخر لأي سبب عن رفع السماعة. وبمجرد أن يضع الرجل السماعة علي أذنه حتي تبدأ العروض المغرية: دعوة لرحلة بحرية علي ظهر باخرة مع مجموعة من المضيفات الأجنبيات. دعوة لحفل راقص تطلق فيه جميع الحريات للاستمتاع واللهو والمجون. دعوة من فتاة مراهقة معجبة. لقضاء وقت لطيف مع ضمان سرية اللقاء. دعوة من مطلقة شابة تتوسل إليه أن يؤنس وحدتها. ليلة عيد ميلادها. ولا يفوت المتحدث عن كل دعوة من هذه الدعوات أن يقدم جميع الضمانات الخاصة بالسرية والأمان. فيعرض أن تأتي سيارة خاصة لتصحب الرجل ثم تعيده. كما تعرض أيضاً أن يحدد الرجل بنفسه المكان والزمان اللذان يناسبانه. بعد هذه المجموعة من العروض. وأحياناً في نهاية كل عرض. يسمع الرجل أصوات موسيقي وغناء وضحكات. كأنها لقطات من بعض المشاهد والعروض التي تنتظر الرجل. كنوع من الإغراء أو التأكيد علي جدية العروض. يظل الرجل يستمع دون أن يقول شيئاً حتي يغلبه النوم فيضع السماعة. وأحياناً يتركها علي صدره وينام. بينما الحديث متصل. والعروض مستمرة. والأصوات تتخللها. ومن عجب أنه في بعض المرات. بعد أن يضع السماعة. تستمر الأصوات تصدر عن الهاتف دون أن تتوقف. فيمد يده ليتأكد أن السماعة في مكانها الصحيح. في أحيان أخري. وبعد أن يضع الرجل السماعة ويتهيأ لاستئناف نومه. يسمع علي الباب همهمات ووشوشات وضحكات خافتة بأصوات نسائية رقيقة. كأنها دعوة علي نحو "توصيل الطلبات للمنازل". وأحياناً يصحب ذلك طرق خفيف علي الباب كنوع من الرجاء أو التحريض المهيأ. كل ذلك يحدث دون أن يثير انتباه أحد غيره. سواء في شقته. أو في البيت. أو عند الجيران. ولما طال الأمر. ولم يجد له الرجل تفسيراً مقبولاً. بدأ القلق يأخذ طريقه إلي قلبه. ففكر في أن يصارح به أهله. إلا أنه أعرض عن هذه الفكرة. وهداه تفكيره إلي صديق حميم يعيش وحده أبدي استعداده. بل وترحيبه. بالحضور إليه في بيته ليسمع هذه المكالمات. وبالفعل تعمد الصديق أن يحضر قبيل الثانية صباحاً. وبقي حتي انتصفت الثاثة دون أن يسمع رنين الهاتف. ثم مضي يقلب يديه عجباً من أمر صديقه. ولكن ما إن عاد الرجل إلي حجرته بعد توديع الصديق. حتي سمع رنين الهاتف. وبدأت أحاديث العروض هذه المرة بعتاب رقيق. وحينما خشي الرجل عاقبة الأمور. خاصة في مجال وظيفته. كمسئول كبير. قررأن يبلغ الشرطة. وارتاح لهذا القرار. وعزم علي تنفيذه في اليوم التالي. وأراد أن يضع الشرطة أمام الأمر الواقع. ففضل أن يتصل بها قبل الثانية. حتي يمكن لها أن تثبت من الأمر: آلو! قسم الشرطة؟ نعم. أي خدمة؟ شكراً. كنت أريد أن... ولم يكد الرجل يبدأ الكلام حتي وصلت سمعه أصوات. حينما أنصت إليها جيداً تأكد أنها نفس الأصوات التي توقظه. فلم يُحر جواباً عن الأسئلة المتلاحقة التي تأتيه عبر الهاتف من قسم الشرطة تستفسر منه عما يريد..فما كان منه إلا أن وضع السماعة. وما كاد يفعل. حتي دقت ساعة الحائط في بيته تمام الثانية. وأعقبها مباشرة رنين الهاتف.