** المؤسسات الصحفية القومية استمرت لسنوات طويلة أبواقاً لنظام الحكم السابق الذي كان يملك كل شيء فيها بحكم تبعيتها لمجلس الشوري. وبعد سقوط نظام مبارك انكشف الفساد بهذه المؤسسات التي كانت تتكبد خسائر سنوية بالملايين ومدينة للبنوك ووزارة المالية وحتي شركات المياه والكهرباء. وبعد وصول الإخوان المسلمين في مصر وتغيير قيادات هذه المؤسسات الصحفية لم تسقط الحكومة الديون عنها المؤسسات بحجة أن الحكومة تعاني عجزاً في الموازنة العامة للدولة وكل ما قامت به وزارة المالية هو تأجيل سداد الديون لمدة 3 سنوات فقط. وعلي الرغم من أن مؤسسة الأهرام أفضل حالاً من مؤسستي أخبار اليوم ودار التحرير فإن الديون التي تصل إلي 7 مليارات جنيه علي هذه المؤسسات بالإضافة إلي مرتبات جيوش العاملين بها وقلة موارد الإعلانات ومنافسة الصحف الخاصة لها جعلت المؤسسات الصحفية القومية تعاني من شبح الانهيار.. فهل تشهد الفترة المقبلة انفراجة لهذه الأزمة أم تزداد صعوبة؟! يقول أحمد سامح رئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم: حتي تتجاوز مؤسسة أخبار اليوم أزمتها الاقتصادية كان لابد من مواجهة الفساد وإلا فلن نجد بعد 4 أشهر مرتبات للصحفيين والعاملين بالمؤسسة. وقد عقدت اجتماعاً استمر 6 ساعات متواصلة لتقليل النسبة التي يحصل عليها مندوبو الإعلانات خاصة أن تكلفة الإعلان زادت من 8% إلي 23% وبعد حصول مندوب الإعلانات علي نسبة لا تحصل المؤسسة علي شيء له قيمة. أضاف سامح: الخسائر في مؤسسة أخبار اليوم ترجع إلي أن المصروفات أعلي بكثير من الإيرادات وقد طلبنا من وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة قصر طباعة الكتب المدرسية علي مطابع المؤسسات الصحفية فقط ومع ذلك يتم إسناد نسبة من الكتب المدرسية لمطابع خاصة تحت بير السلم وإمكانياتها ضعيفة للغاية رغم أن المؤسسات القومية الكبري تقدم مقايسات ممتازة اقتصادياً وليست بها أي مغالاة بينما هذه المطابع الخاصة تقدم مقايسات مرتفعة لكن يتم قبولها والتعامل معها!!. أوضح سامح أن مجلس الشوري هو المالك القانوني للمؤسسات الصحفية القومية وله الحق في تعيين القيادات بها ومن حقه عمل تقييم للقيادات ورؤساء التحرير بهذه المؤسسات حتي يتحقق الهدف الذي أنشئت من أجله. يقول الكاتب الصحفي محمد أبوالحديد رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق: أهم مشكلة تواجه المؤسسات الصحفية القومية هي الديون المتراكمة وفوائدها بالبنوك ومتأخرات الضرائب والتأمينات ولابد من تثبيت الديون عند حد معين حتي لا تتراكم الفوائد كذلك تثبيت متأخرات الضرائب وإعطاء المؤسسات الصحفية مهلة خمس سنوات حتي تستعيد تلك المؤسسات قوتها وعافيتها. ورغم أن دار التحرير تواجه أصعب أزمة مالية منذ انشائها إلا أن المؤسسة لها أصول ومساحات شاسعة من الأراضي غير مستغلة ولابد من استحداث إدارة مستقلة لاستثمار أصول المؤسسة بحيث تحقق مكاسب يمكن من خلالها تسديد جزء من الديون مع ضرورة دمج الإصدارات الخاسرة بالمؤسسة. أضاف أبوالحديد: من أهم القرارات التي اتخذتها أثناء تولي منصب رئيس مجلس الإدارة هي البدء في إصلاح المؤسسة مالياً وإدارياً طبقاً للخطة التي وضعها مكتب حازم حسن بتكليف من الحكومة في ذلك الوقت وحصلنا للمؤسسة علي تمويل من الحكومة قيمته مليون جنيه من وزارة المالية. ولأول مرة قامت المؤسسة بتسديد 80 مليون جنيه للبنك الأهلي كانت المؤسسة قد حصلت عليها كقرض في سنوات سابقة وقد تم عام 2008 تسديد 40 مليون جنيه ودفع 40 مليون جنيه أخري مقابل إعلانات بقيمة 10 ملايين جنيه كل سنة. والحقيقة أن الدكتور مصطفي هديب رئيس مجلس الإدارة الحالي رجل اقتصادي ناجح ولديه أفكار كثيرة يطبقها في الواقع ولكن هناك بعض المعوقات بسبب عدم استقرار حال البلاد وعدم موافقة الحكومة علي التنازل عن أي جزء من الديون البنكية المتراكمة أو متأخرات الضرائب والتأمينات. أضاف: لا غني عن المؤسسات الصحفية القومية لأنها تضبط الإيقاع الإعلامي بعد انتشار القنوات الفضائية والصحف الخاصة والحزبية. وهذه المؤسسات يجب أن تكون صوت الشعب وليست صوت من يحكم البلاد ويجب أن تستقل عن مجلس الشوري ويتم انتخاب مجلس مستقل للصحافة القومية يكون المسئول عن سياسة هذه الصحف. يقول صلاح الغمري "رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق": المؤسسات الصحفية القومية مثقلة بأعباء الأجور وتكاليف شراء المواد الخام اللازمة للطباعة.. وهناك روشتة لإصلاح حال تلك المؤسسات تضم عدة خطوات منها: تجميد ديون المؤسسات الصحفية القومية وقيام وزارة المالية بتحصيل هذه الديون بعد عدة سنوات حتي تستطيع هذه المؤسسات سداد هذه الديون مع عمل هيكلة إدارية ومالية لكل المؤسسات وتخصيص كل إعلانات الهيئات والوزارات الحكومية للصحف القومية فقط وأيضاً طباعة كل كتب المدارس بمطابع المؤسسات الصحفية فقط ليس في مطابع خاصة أو مطابع هيئات سيادية فمازالت الصحف القومية قادرة علي منافسة الصحف الخاصة بما فيها من كفاءات صحفية وخبرات وإمكانيات هائلة رغم زيادة العمالة بها وزيادة معدلات الإنفاق. ويقول الكاتب الصحفي حسن الرشيدي رئيس مجلس إدارة دار التعاون ورئيس تحرير جريدة المسائية الأسبق: ديون المؤسسات الصحفية القومية بلغت 7 مليارات جنيه نتيجة تراكم الفوائد علي مدار 30 عاماً خلال حكم مبارك. وتفاقمت أزمتها بعد قيام ثورة 25 يناير بسبب الفوائد البنكية وقلة الإيرادات من الإعلانات التي تراجعت بشكل كبير ولم تساند الدولة المؤسسات الصحفية القومية وفضلت الوقوف موقف المتفرج فقط رغم أن هذه المؤسسات ملك للشعب. وهناك عدة خطوات لإصلاح المؤسسات الصحفية القومية منها: قيام المؤسسات بعقد معارض ومؤتمرات لجذب الإعلانات وتنشيط موارد استثمار غير تقليدية مع اقتصار طبع الكتب المدرسية علي مطابع المؤسسات الصحفية فقط وتحويل المؤسسات الصحفية إلي شركات مساهمة مع امتلاك العاملين فيها أسهما حتي يشاركوا في الربح والخسارة ويحرصوا علي تطوير أدائها الصحفي مع تجنب البذخ والإسراف في شراء المكاتب والديكورات والسيارات وأوجه الانفاق غير الضرورية. يوضح الكاتب الصحفي محمد فودة - رئيس تحرير المساء الأسبق: أن المؤسسات الصحفية القومية تعاني من ضعف الإيرادات ووجود كم هائل من المصروفات منها أجور العمال والإداريين والصحفيين ومصروفات المواد الخام من الورق والأحبار والزنكات لذلك نجد أن الحساب الختامي للمؤسسات الصحفية القومية به خسائر بالملايين وهناك أسباب منطقية لتكبد مؤسسة دار التحرير لأكبر خسائر لأن مؤسسة الأهرام تستحوذ علي نسبة 35% من حجم الإعلانات في مصر وبها سيولة مالية يومية من نشر إعلانات الوفيات بالإضافة لوجود شركات تجارية تابعة للأهرام تحقق أرباحاً ومؤسسة أخبار اليوم بها سياسة ضبط التعيينات سواء للإداريين أو الصحفيين أو العمال أما مؤسسة دار التحرير ففيها جيوش من العمال والإداريين وأيضاً عدد الصحفيين كبير عن حاجة العمل. أشار فودة إلي أن هناك حلولا لابديل عنها وهي قيام وزارة المالية بإسقاط ديون المؤسسات الصحفية مع الامتناع عن أي تعيينات جديدة خلال 5 سنوات قادمة مع إعادة هيكلة النظام الإداري بالمؤسسات الصحفية وتنشيط الإيرادات عن طريق إنشاء شركات يسهم فيها رأس المال الخاص. أضاف: نتمني إنهاء سيطرة مجلس الشوري علي المؤسسات الصحفية القومية فرغم أن من حق مجلس الشوري طبقاً للقانون تعيين القيادات بالمؤسسات الصحفية باعتباره مالكاً لها فإننا نفضل إنشاء مجلس أمناء للصحف القومية لإدارة شئونها حتي لا يكون لمجلس الشوري سلطان علي تلك المؤسسات ولابد أن تكون المؤسسات الصحفية القومية ملكاً للشعب وتعبر عن إرادته. قال ان الصحافة الالكترونية هي المستقبل وكانت دار التحرير للطبع والنشر قد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك بعد توقيع بروتوكول مع وزارة الاتصالات والحصول علي دعم فني وأجهزة الكمبيوتر وعمل دورات تدريبية في الصحافة الإلكترونية وعمل مواقع الكترونية لبعض الإصدارات تمكنها لم تجد الدعم في الفترة السابقة. يؤكد الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق ورئيس اللجنة التي شكلت بمعرفة رئيس مجلس الشوري السابق لدراسة أوضاع المؤسسات الصحفية القومية ومشاكلها المالية ووضع حلول لها منها أنه يجب وضع لوائح مالية جديدة للمؤسسات الصحفية عن طريق المجلس الأعلي للصحافة مع تفعيل دور تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات وتطبيق العقوبات علي المخالفين سواء رؤساء التحرير أو رؤساء مجالس الإدارات مع إرسال تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات حول إهدار المال العام بالمؤسسات الصحفية القومية إلي مجلس الشوري والمجلس الأعلي للصحافة مع ضرورة وضع مراقب مالي من الجهاز المركزي للمحاسبات في كل مؤسسة صحفية قومية ليراقب الإيرادات والمصروفات ومنع شراء سيارات حديثة أو تطوير مكاتب قيادات تلك المؤسسات مع جدولة الديون الخاصة بالبنوك والضرائب والتأمينات وإعادة النظر في إسقاط جزء من الفوائد علي هذه الديون أو تجميدها لعدة سنوات حتي تستعيد المؤسسات الصحفية القومية قوتها من جديد. تقول الدكتورة ليلي عبدالمجيد "عميد كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية": مشكلة ملكية المؤسسات الصحفية القومية هي السبب في تدهورها لأنه لابد من حصول العاملين بها علي أسهم فيها حتي يتحملوا المكاسب أو الخسارة وفي هذه الحالة سيتم تقليل إهدار المال العام. أضافت د.عبدالمجيد: حتي تخرج المؤسسات الصحفية القومية من عثرتها الاقتصادية فلابد من الاهتمام بالصحافة الالكترونية واستحداث موارد أخري لجلب الاستثمارات في تلك المؤسسات مثل تنظيم المعارض والمؤتمرات وعقد الدورات التدريبية في جميع فنون الصحافة وتقليل عدد العاملين سواء من الإداريين أو الصحفيين بتوزيعهم علي جميع الإصدارات أو إنشاء إصدارات جديدة تتماشي مع حالة السوق. يقول كارم محمود سكرتير عام نقابة الصحفيين": العهد السابق جعل المؤسسات الصحفية القومية أبراجاً عالية للمقربين فلا توجد جهات رقابية تراقب عملها وحتي يتم إصلاح تلك المؤسسات فلابد من تغيير ملكيتها من مجلس الشوري إلي شركات مساهمة يملك فيها الإداريون والصحفيون أسهماً حتي يشاركوا في الخسائر والمكاسب ويحرصوا علي أموال المؤسسة ويبذلوا كل جهدهم لتطوير إصداراتها لتستطيع المنافسة مع الصحف الخاصة والحزبية. واستمرار الصحف القومية للقيام بدور أبواق للنظام الحاكم سوف يؤدي إلي انهيار هذه المؤسسات.