عندما يتحول الإنسان إلي شيطان فجأة ويفقد كل معاني الإنسانية والرحمة ويؤذي شخصا بريئا ذنبه الوحيد انه حاول مساعدته وقام بأداء عمله علي أكمل وجه ويحول حياته إلي نيران تأكل بوجهه وجسده الضعيف دون وجه حق. هكذا بدأ عاطف عبدالمنعم "28 عاما" والذي يعمل موظف أمن بوزارة الكهرباء حديثه ل "المساء" الليلة الماضية من داخل العناية المركزة بمستشفي الكهرباء بألماظة والدموع تملأ عينيه حسرة علي ما حدث له خاصة انه شاب في مقتبل حياته تزوج حديثا وعلي وشك أن يصبح أباً خلال أشهر قليلة يسكن بشبرا الخيمة ويعمل من أجل توفير حياة كريمة لأسرته. قال عاطف: حتي هذه اللحظة لا أتخيل ماذا حدث فقد كانت الأمور منذ الصباح عادية عندما حضر المدعو طارق حسين سلام وطلب من مسئولي الأمن مقابلة وزير الكهرباء ملحاً في طلبه مستعطفا الجميع متمسكا ببقائه واعتصامه إلي أن يتم الاستجابة لمطلبه وعرض طلب تعيينه وبالفعل قمت باصطحابه معي إلي مكتب الشئون الفنية بالوزارة وهناك علم برفض طلبه نظرا لأنه من مواليد 1969 ولا تنطبق عليه شروط التعيين لكبر سنه وحتي هذه اللحظة لم أشك لحظة واحدة في أنه يخفي بين طيات ملابسه أي شيء. أضاف: حاولت تهدئته وهو ثائر محاولا الذهاب إلي مكتب وزير الكهرباء ومنعته محاولا أيضا امتصاص غضبه ولم أكن أدري ماذا سيحدث لي في هذه اللحظة وأمام المكتب الفني والمكتب الإعلامي لوزير الكهرباء اللذين يبعدان أربعة أمتار عن مكتب الوزير أخرج فجأة وبدون أي إنذار "جركن" صغير ملئ بالبنزين كان يخفيه داخل ملابسه مرتديا سويتر واسعا حتي لا ينكشف أمره وإذا به يفرغ البنزين بكمية كبيرة ويرشها في وجهي وعلي جسدي والقليل منه علي جسده مشعلا النيران في وجهي في لحظة واحدة دون أن أدري. أوضح موظف أمن الكهرباء المجني عليه انه لم يشعر إلا بزملائه في الوزارة يحاولون إنقاذه وإنقاذ هذا المواطن الذي لم يراع الله في نفسه ولا فيمن حوله قائلا إن أحد الزملاء في الوزارة قام بخلع الجاكيت الخاص به ووضعه علي وجهي لإطفاء النيران التي اشتعلت بوجهي وامتدت لعنقي ويدي وبعدها تم نقلي إلي مستشفي القبة الذي رفض استقبالي لعدم وجود إمكانيات به لمثل حالتي وتوجه بي زملائي إلي مستشفي الكهرباء لإسعافي حيث أمكث به الآن وأحمد الله علي ما أنا فيه. أشار إلي أنه لولا منعه لكان قد تسبب في إيذاء الكثيرين غيره ورحمة من الله أن كمية البنزين لم تكن أكثر من ذلك أو كان معه أي وسائل تفجير لكان حدث ما لا يحمد عقباه. قال إن ما قمت به هو واجبي وعملي وما حدث لي قضاء من الله عز وجل وقلة إيمان من الطرف الآخر. من جانبه أكد الطبيب المعالج بمستشفي الكهرباء أن الحريق من الدرجة الأولي بنسبة 4% يشمل الوجه والرقبة والكفين ويحتاج إلي علاج حتي تستقر الأمور بالنسبة له. أما زملاء عاطف وأصدقاؤه فانتابتهم حالة من الاستياء والغضب ممزوجة بالحزن والأسي لهذا الحادث الأليم مؤكدين انهم كانوا يودون الفتك بهذا المواطن الجاني الذي أشعل النيران في وجه زميلهم لولا أن البعض منهم منعوهم ليأخذ القانون حقه وبالفعل حضرت الشرطة وأمسكت به. حالة من الذهول والحزن الشديد سادت بين أسرة عاطف "اخوته وعمه وأقاربه" الذين لم يفارقوا المستشفي منذ أن حضر إليها مستنكرين ما حدث حيث أكد المحاسب حمدي جبر مدير عام المتابعة والرقابة بشركة شمال القاهرة للتوزيع وهو عم عاطف أن ما حدث لا يمكن أن يقبله أي إنسان لأنه ليس تجاوزا بل انفلات أخلاقي وديني فمن حق أي مواطن أن يسعي لإيجاد فرصة عمل ولكن ليس بهذه الصورة غير الآدمية التي لا تتفق وشريعتنا كمسلمين مطالبا كافة جهات التحقيق والنيابة بعدم الرأفة بالمواطن الذي أشعل النيران في ابن أخيه. كما طالبت أسرة عاطف المهندس أحمد إمام وزير الكهرباء والمهندس جابر دسوقي رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر بعدم التخلي عن ابنهم الذي تم تشويه وجهه من جراء هذه الواقعة إلي أن يتم شفاؤه ويعود وجهه وجسده كما كانا من قبل خاصة أن ما حدث سوف يحتاج إلي عمليات تجميل تتكلف الكثير وهذا لا يتناسب مع ظروفه الخاصة. عاشت "المساء" الموقف منذ أن حدث بكل ملابساته حيث سادت أمس حالة من الرعب والفزع وزارة الكهرباء وحمل الكثير من الشباب العاملين بالوزارة طفايات الحريق وأسرعوا ليس لانقاذ زميلهم فحسب بل إنقاذ المواطن طارق حسنين محمدين سلام "44 عاما" حيث قام العاملون بخلع ملابسه التي اشتعلت فيها النيران من أعلي حتي لا تلمس جسده. لذلك لم تحدث له سوي إصابات طفيفة بالرقبة علي حد قولدهم.. وقد حاول فريق آخر الخروج من مبني الوزارة لا يعرفون ماذا يحدث وخاصة من النساء. يأتي هذا في الوقت الذي انتاب العاملون بالمكتب الإعلامي بالوزارة حالة من الرعب والفزع عندما اشتعلت النيران أمام الحجرة الخاصة بهم ولم يكن بها سوي اثنين من السيدات اللتين لم تتمكنا من الخروج وخوفا من اندلاع النيران خرجتا من النافذة إلي السطح المجاور الأمر الذي أحدث حالة من التوتر مازال متواجدا حتي الآن. أكد المهندس جابر دسوقي رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر أن ما يحدث مرفوض علي وجه الإطلاق ولا يمكن أن يكون هذا هو أسلوب الضغط علي المسئولين للاستجابة لمطالب فئوية وتعيينات لا تتناسب مع القواعد والضوابط المعمول بها. مشيراً إلي أن هذا الحادث المؤلم لم ولن يؤثر أو يغير من الأمر شيء لأن القرارات والتعليمات واضحة وصريحة وتسري علي الجميع وقطاع الكهرباء لن يقبل أي ضغوط من أحد وأي تعيين يكون حسب السن القانونية وهو أن لا يتعدي سن العامل 30 عاما ويتم التعيين وفق احتياجات العمل والتخصصات المطلوبة. أضاف دسوقي ان القطاع يأسف لما حدث لموظف الأمن عاطف عبدالمنعم مشيراً إلي أن هذه الواقعة لن تمر بسلام حيث تقوم الشركة القابضة بإجراء تحقيقات داخلية بخلاف تحقيقات النيابة عن ملابسات الحادث منذ بدايته إلي أن اشتعلت النيران وذلك وفقا لتعليمات المهندس أحمد إمام وزير الكهرباء الصادرة في هذا الشأن مع معاقبة أي متسبب أدي لهذا الحادث. علمت "المساء" ان الجاني تم تسليمه للشرطة وتم إيداعه قسم الوايلي وطالب بعرض نفسه علي الطبيب لعمل تقرير طبي بعد عمل الإسعافات له التي أكدت وجود آثار بسيطة للحريق ولم يتعرض لأي أذي وتم الكشف عليه بمستشفي الزهور بالعباسية وعرضه علي النيابة التي تولت التحقيق وأمرت بحبسه.