حوار بلا صدام هو الشعار الذي رفعه معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.. وفي هذا السياق نحاول تبين ما إذا كانت أنشطة المعرض قد عبرت عن مسار الثورة؟ وهل نشأ حوار بالفعل؟ وإلي أي حد؟ المعرض هذا العام والرأي للدكتور حسين حمودة ارتبط بمحور "حوار لا صدام". وهو بذلك راهن علي أن الحوار هو السبيل لتحقيق مطالب الثورة . ولتحقيق قيم يحتاجها هذا المجتمع. وهذا الوطن. ومن خلال عناوين الأنشطة التي يقيمها المعرض: كاتب وكتاب. المناظرات. اللقاء الفكري. المقهي الثقافي. سنجد تمثيلات متعددة لفكرة الحوار. إنها فكرة مهمة. لكن أتصور مع ذلك أن أنشطة أخري للمعرض مثل أمسيات الشعر وملتقي الشباب والإبداع. سوف تتجاوز فكرة الحوار إلي فكرة الثورة. فهذه الأنشطة مرتبطة في أغلبها بمبدعين أفراد. والمبدعون الأفراد يطرحون مايرونه. ومايتصورونه. ومايعبرون عنه. وعدد كبير منهم ارتبط ابداعهم بالثورة خلال السنتين الأخيرتين. وفي تقدير الروائي والناقد محمد قطب أن معرض هذا العام جاء في ظروف صعبة. لكن الإرادة الثقافية كانت تراهن علي اقامة المعرض في موعده. وجاء هذا الأمر في ظل تكليف شركات التأمين للتأمين علي المعرض ضد المشكلات التي قد تطرأ عليه. وعلي دور النشر المشاركة. وجاء شعار المعرض "حوار لا صدام" بما يعني أن التوافق السياسي بين الطوائف والتنظيمات السياسية يجب أن تكون فيه مساحة مشتركة لتوافق الرأي. حتي نستطيع أن نخرج البلاد من أزمتها. وعلي دعاة الحرية والليبرالية أن يجلسوا لتجاوز جميع القضايا. دون وضع اطار مسبق لذلك وجدنا عدداً من الندوات تتناول هذه القضية. منها موضوع يدور حول المثقف والسلطة السياسية. وهو موضوع هام عن دور المثقف في ظل التطورات السياسية الطارئة. وأيضاً كانت هناك ندوات أقيمت في الأيام الماضية. مثل ندوة بهاء طاهر التي طرح فيها دور النشاط الثقافي من تجاوز المزالق السياسية.. كما أن هناك عدداً وفيراً من دور النشر يتناولون قضايا الثورة. ممثلة في كتب أو يوميات. أو الجرافيتي الخاص بالصور الموجودة في الشوارع. أثناء الثورة. وفي جميع مراحلها المختلفة. إضافة إلي التنوع في كتب الأدب والرواية والقصص القصيرة والسياسة والتاريخ. لكنني لاحظت أن هناك اهتماماً بالطفل في عدد كبير من دور النشر الصغيرة. سواء أكانت قصصاً قصيرة أو روايات. وهناك ورشة أقامتها هيئة قصور الثقافة للأطفال. حالة فوضي يري الكاتب المسرحي عاطف الغمري أن المعرض قد تأثر كثيراً بالأحداث الأخيرة. فالإقبال كان قليلاً للغاية. واختيار الموضوعات والشخصيات بعيد عما هو مطروح علي أرض الواقع. واستبعاد القضايا التي تناقش في الشارع المصري يجعل الإنسان يبتعد أو لا يتردد في حضور هذه الفعاليات. المفروض أن المعرض مثله مثل القنوات الفضائية من حيث متابعة الجمهور لأنشطته. الثورة لها مطالب علينا أن نناقشها. أما تحويل برامج المعرض كما حدث في التليفزيون المصري عندما حاول الوزير تحويل برامجه السياسية إلي برامج توك شو. وكانت النتيجة أن المشاهدة انتقلت إلي قنوات تليفزيونية أخري. بالإضافة طبعاً إلي الحالة المستمرة منذ العام الماضي. إنها حالة الفوضي في تنظيم المعرض. لا توجد خريطة. ورغم أنني كنت في سيارتي. فإني لم أصل إلي السراي التي أريدها مثل الأهرام. هناك حالة من الخلل والتوهان في تنظيم المعرض. وهذا يعود إلي رئيس الهيئة العامة للكتاب. ومن خلال متابعة القاص محمد الناصر للمعرض في العام الماضي. فرض الوضع السياسي نفسه. بحيث لم يسمح بالمعرض كما نتمناه. وإن كان هذا لا ينفي دور القائمين علي المعرض. أو هيئة الكتاب. فدورها هو مواجهة الأزمات. ولكن ليس كل مانتمناه يحدث بالكامل. لكن يبقي بعض الظواهر التي تتكرر. ومنها أن هناك من يحتكر المناقشات. فإدارة المعرض تكتفي بحضور كل من يأتي لها لترشيحه في ندواتها. وليس بالضرورة كل من يأتي لإدارة المعرض هو الأفضل. علي مسئولي المعرض أن تكون مهمتهم الكشف عن المواهب. أو يقدم كل ما يتيح له مساحة ضوء. كما أنني لاحظت أن المسابقة الخاصة بالمعرض عن أفضل كتاب في المجالات المختلفة. فقد استغرق الوقت أسبوعين.. كيف يحدث هذا؟! لا يمكن أن تقرأ الأعمال كلها في هذه الفترة. ولو قارنا بين هيئة المعرض وما يحدث في المجلس الأعلي للثقافة. نجد أن التقدم للمسابقة يأخذ ستة أشهر. وستة أشهر أخري للقراءة والاختيار.. هل يعقل أن يحدث ذلك؟!.. أضاف: أعتقد أن المسابقة لم تنضج بعد. وأنها مسلوقة. أسرار الثورة ويلاحظ د. هشام قاسم أنه في أثناء تجواله في أروقة المعرض لم تطالعه كتب تتعلق بالثورة المصرية. ثمة كتب تتحدث عن أيام الثورة. رغم جلال الحدث. وتأثيراته التي لا تزال تتتابع. سألت نفسي: هل السبب هو تقصير الكتاب والمتابعين السياسيين. أم أن هناك سبباً موضوعياً لذلك؟ أعتقد أن المشهد السياسي يكتنفه ضباب كثيف مما يعيق الرؤية. ومازال اتجاه قاطرة الثورة غير محدد. هناك شبه اتفاق علي أن الثورة لم تحقق أهدافها: عيش. حرية. عدالة اجتماعية.. لكن: هل الثورة في طريقها نحو تحقيق أهدافها؟. الخلاف بين حزب الحرية والعدالة والأحزاب الأخري يؤكد ذلك. وبقية قوي المجتمع تنفي ذلك بشدة. شيء هام آخر يجعل الكتابة عن الثورة متعثرة. إن أسرار الثورة غير معروفة حتي الآن.. ويذهب القاص لطفي النميري أن صورة المعرض اختلفت بعد الثورة.. هنا نوع من التطوير. وثمة كتب جديدة عن الثورة. والتنوع واضح في عروض لكتب والندوات التي يفيد منها كل المثقفين الذين يزورون المعرض. لكن علينا أن نعترف أن ارتفاع الأسعار ظاهرة شملت كل دور النشر. وأن الوعي بالنسبة للإنسان المصري يجب أن يصل إلي كل إنسان. وإلي البسطاء من أبناء البلد. والحقيقة أن الثقافة لم تؤد دورها في هذا المجال.. ثمة غياب لعدد كبير من الرواد داخل المعرض. ولعل ما تمر به البلاد هذه الأيام له انعكاس سلبي علي رواد المعرض.