لابد أن نتفق جميعاً علي أن حجم المشاكل التي تواجهها مصر أكبر من أي فصيل أو حزب أو جماعة وأن المواجهة الحقيقية لتلك المشاكل تبدأ فعلاً باتحادنا جميعاً علي قلب رجل واحد للانطلاق وعودة الانتاج واحترام مرافق ومؤسسات الدولة والحفاظ عليها. لكن كل ذلك مرهون باتفاق جميع القوي السياسية والتخلص من رذيلة المكابرة التي سبق وأشرت إليها في مقال سابق. ليس جيداً أن تنقسم القوي السياسية إلي 3 قوي رئيسية.. الإخوان والسلفيين والقوي المدنية والليبرالية. صحيح أنها ظاهرة صحية في المجتمعات الديمقراطية لأن الخلاف في الرأي هو ما يصنع الانطلاق ويضمن اتخاذ القرارات الصحيحة والقوانين النافعة للمجتمع. لكن هل هذا الاختلاف وبهذه الطريقة هو ما يبني المجتمعات؟ المراقب للمشهد السياسي يجد أن الاختلاف وصل إلي حد الاحتقان وبدلاً من أن نحتفل سوياً بعيد ثورة 25 يناير خرجت المظاهرات والمسيرات إلي الميادين للمطالبة بتحقيق أهدافها التي لم تتخذ فيها خطوات حقيقية باستثناء انتخابات رئاسية. ودستور "مختلف عليه" ولم يحدث قصاص حقيقي للشهداء بل بدأت حملة التصالح مع رموز النظام السابق في قضايا الفساد وليس قضايا الدم. لكن حتي قضايا قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة ومديريات الأمن حصل أغلب المتهمين علي البراءة. اذن نحن أمام اشكاليات ومشاهد مرتبكة حلها بسيط جداً وبكلمة واحدة هي التوافق. هذا التوافق ليس مسئولية طرف واحد لكنه مسئولية الجميع. صحيح أن راعي ذلك التوافق لابد وأن يكون الرئيس مرسي لأنه المنتخب من الشعب. لكن ذلك أيضاً يتطلب بعض التنازل من الأطراف الأخري حتي نضمن نجاحاً لأي حوار أو اتفاقات. لذلك فالمبادرة لابد وأن تتم برضاء الجميع إخواناً وسلفيين وليبراليين.. لأن الوضع الحالي لا ينبئ بأي خير لمصر وشعبها الذي بدأت غالبية كبيرة منه تشعر بالإحباط واليأس من عودة البلاد إلي الاستقرار ونسبة ليست هينة من الناس بدأت تفكر في الهجرة. لذلك كله فإن الوقت الحالي هو وقت العقلاء في هذا الوطن أياً كان انتماؤهم السياسي أو أيدلوجياتهم.. ففي مصر شرفاء حتي ولو كانوا أعضاء في الحزب الوطني المنحل وفي مصر كفاءات حتي ولو كانوا غير متدينين. وفي مصر علماء ينحون الدين جانباً ويخلصوا لعلمهم فهل نجنب هؤلاء من خدمة أوطانهم؟ لا أعتقد أن ذلك الصواب ولعل قول الشاعر في ذلك "بالعلم والمال يبني الناس ملكهم ولا يبني ملك علي جهل واقلال" هو الفيصل في بناء الحضارات والنهضات الحقيقية وليس بالاقصاء.. فمصر لن تنهض إلا بالجميع وهنا لن أشكك في قدرة الجماعة أو غيرها علي إدارة مصر والخروج بها إلي بر الأمان لكنني أشكك في قدرة أي فصيل بمفرده لأن مصر أكبر من ذلك وتحتاج كما سبق وأكدت إلي الجميع. لكل ما سبق فإنني أطالب الرئيس مرسي باطلاق مبادرة للم الشمل هو راعيها لوحده دون جماعة أو مستشارين.. هو بمفرده من يستطيع انهاء حالة الاحتقان والانقسام في الشارع الأمر الذي يعيد لنا جميعاً مصر التي أصبحت مظلمة من انقسامنا. باردة من تشتتنا. عارية من توقف العمل والانتاج. قاسية من غياب الحكماء والعقلاء.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.