سواء جاءت النتيجة ب"نعم" أو "لا" في الاستفتاء علي الدستور فأن المكسب الأهم في هذه العملية الديمقراطية خروج ملايين المواطنين بصورة مفرحة للادلاء بأصواتهم وإبداء رأيهم في هذا الحدث المهم. ظاهرة هي الأولي من نوعها في تاريخ مصر القديم والحديث فيما يخص الاستفتاءات.. فقد كانت السوابق محزنة في عزوف الناس الذهاب الي لجان التصويت لأنهم كانوا يستشعرون إن النتيجة كانت معدة سلفا.. وكانت تصل أحيانا إلي 9.99 في المائة بالموافقة!! هذا الحدث الفريد في مصر يعطينا الأمل في المستقبل وأن هذا الشعب بعد ثورة 25 يناير لن يخدعه أحد. وسيخرج معبرا عن ارادته ورأيه في الاحداث التي تمر بها البلاد. ذهبت الي لجنتي التصويتية في شارع المبتديان بالقاهرة بعد صلاة الظهر.. وكنت أظن أن اللجنة سوف تكون خالية من المواطنين أو علي الأقل ليس فيها زحام شديد فإذا بي أجد طوابير من الرجال والسيدات خارج بناء المدرسة الموجود بها اللجنة تمتد عشرات الأمتار وربما تصل الي اكثر من مائة متر. والناس يتحركون ببطء شديد أو يكادون لايتحركون لأن الزحام أمام اللجان في داخل المدرسة كان هو أيضا شديداً للغاية. شققت طريقي بصعوبة لأدلي بصوتي دون ان اقف في الطابور باعتباري من كبار السن. ورغم ذلك فقد وقفت حوالي ربع ساعة حتي استطعت أن ادلي بصوتي وعدت الي فناء المدرسة في طريقي للخروج.. لكني فوجئت بمشاجرة بين شاب ملتح وبعض المواطنين لأن الشاب الملتحي كان يطالب المواطنين المصطفين في الطابور أمام لجنته بأن يصوتوا ب "نعم" فاعترضه البعض وتشابكوا إلا أن الشرطة فضت المشاجرة. وصمم بعض المواطنين أن يحرروا محضرا بالواقعة لكني خرجت ولم اعرف هل تم تحرير المحضر أم لا؟! إذا كان هناك من فضل في هذا الاقبال من المواطنين علي لجان التصويت فإنني أري أن هذا الفضل ينسب الي القنوات الفضائية التي خلقت هذا الوعي المتزايد لديهم.. الدعوات التي وجهتها هذه القنوات لكثير من المتخصصين في القانون عموما والدستوري خصوصا ولعدد كبير من النشطاء السياسيين لشرح وجهات نظرهم سواء أكانت مؤيدة للدستور أو رافضة له جعل المواطن البسيط يكوِّن رأيا فيه. ومن هنا يجب أن نحق الحق ونقول ان الهجوم علي هذه القنوات في غير محله فلولاها ما كانت هذه الجموع قد توافدت علي لجان التصويت بهذا الزخم الايجابي.. وعلي من يهاجمون هذه القنوات بشراسة ويتهمونها بالتضليل والتهويل أقول عليهم أن يعتذروا بدلا من أن يسبوهم سبابا لايليق بأي وجه من الوجوه. يبقي أن نقول إن مقاطعة عدد كبير من القضاة لعملية الاستفتاء أوقع اللجنة المشرفة في حرج شديد. وانعكس ذلك علي المواطنين الذين وقفوا ساعات طويلة دون ان يتمكنوا من التصويت حتي اضطرت اللجنة لمد عمل اللجان الي الحادية عشرة مساء!! فأي ارهاق أصاب الناس من جراء ذلك. وهذا يدل علي غياب التخطيط المناسب لاجراء الاستفتاء.. كما يدل علي انقسام القضاة وشق صفهم رغم كل ماقيل عن أن القضاة سيقاطعون بنسبة 90 في المائة. وأخيرا.. ماذا إذا جاءت النتيجة ب"نعم" أم "لا"؟ هل سيظل الانقسام قائما؟! أم أن الجميع سيرتضي النتيجة؟! يقال إن الدستور يجب ان يكون توافقيا.. فهل سيكون توافقيا اذا تقاربت النتيجة بالايجاب أو السلب ودارت حول 51أو52أو53 في المائة علي سبيل المثال؟! آخر المقال : أي تجاوزات في عملية الاستفتاء سيتم التغاضي عنها وكأنها لم تكن!!