حالة الانقسام والاستقطاب التي تمر بها مصر تنذر بمخاطر سوف تطول نيرانها كل الفرق المتناحرة ولن ينجو منها أحد. التشاؤم هو الصورة السائدة. تكاد تصاب بالغثيان حين تتابع مناقشات بين طرفين كل منهما ينحاز إلي أفكار المجموعة التي ينتمي إليها. طواحين الهواء في كل مكان وليس الفضائيات أو وسائل الإعلام الأخري وإنما امتد إلي كل ركن وأي حوار بين اثنين تجمعها طريق. الأصوات تتعالي والمبررات تنبعث من طرف والرد يأتي عنيفاً من طرف وربما يفترق الاثنان بعداوة شديدة رغم الصداقة التي يتمتعان بدفئها منذ فترة طويلة. هذه المقدمة أراها ضرورية خاصة أن هذه المجادلات بعيدة جداً عن هذا المواطن البسيط الذي يشكل غالبية شعبنا في المدن والقري والنجوع الجميع يريد لقمة العيش بعيداً عن المنغصات والمعاناة يريد سلعة بأسعار تتناسب مع ظروفه ودخله المتواضع. يبحث عن الأمن والاستقرار حتي يستطيع أداء عمله دون مظاهرات أو تجمعات تشل حركة المواصلات. وتجعل حركة هذا المواطن بطيئة متثاقلة ويتطلع صباح كل يوم إلي انفراجة تلوح في الأفق لكنه يفاجأ بازدياد الصورة قتامة. الآراء متضاربة والصراع علي أشده وليست هناك بادرة أمل تبدد حالة الشك والارتياب التي تملأ صدور أبناء مصر من أقصاها إلي أقصاها. السؤال الذي يطرح نفسه في الساحة ويدق رءوس كل الأطراف بعنف هل سينعم الوطن بالاستقرار ويعم الأمن أرجاءه بعد الاستفتاء علي الدستور المطروح اليوم في الدوائر بالمحافظات التي يجري بها الاستفتاء في المرحلة الأولي وكذلك بالأقاليم في المرحلة الثانية؟ وقبل الإجابة علي هذا التساؤل الذي يتردد علي كثير من أبناء الشعب فإن المتابع لمجريات الأحداث علي أرض الواقع لا يستطيع تحديد الإجابة بيقين لأن المجادلات والحوارات تزداد سخونة وترتفع أصوات تنادي بالاقبال علي إبداء الرأي ب "نعم" وهناك في المواجهة من ينادي ب "لا" والانقسام شديد بين الفريقين. المواطن البسيط يقف حائراً بين هذه الآراء وتلك المبررات المتناقضة ورغم هذه الصورة الغامضة فإن المواطن البسيط يحدوه الأمل في أن يعم الاستقرار والأمن بكل ربوع أرضنا الطيبة أياً كانت نتيجة هذا الاستفتاء. الأمل يراوده في أن تنتهي هذه الحالة التي حرَّكت الضغائن في قلوب الأشقاء وجعلت الشقيقين يتصارعان رغم أن كلاً منهما خاسر في نهاية المطاف. بسطاء شعبنا يتطلعون إلي أن يتوجه كل مواطن إلي صناديق الاستفتاء ويبدي رأيه دون الوقوع تحت أي ضغوط ولا يلتفت إلي الشائعات وهؤلاء الذين يثبطون الهمم ويثيرون الشكوك والبلبلة التي تتردد علي ألسنة هؤلاء. ولا يلتفت أيضاً إلي الحوارات التي تجري بين متصارعين لأن الصورة بينهما تربك أي متابع. قناعة المواطن يجب أن تكون هي التي تقوده إلي الدائرة التي يدلي فيها بصوته. ويتعين أن يستوعب قدر استطاعته مواد هذا الدستور وإذا استقر في وجدانه الاطمئنان فيجب أن يدلي برأيه. وليكن رأيه من رأسه كما يقول حكماء مصر في كل الأوقات التي تتصارع فيها الآراء والأفكار. أما البسطاء من أبناء شعبنا فيجب أن يستمعوا لأهل العقل والحكمة والاستفسار عن كل ما يعن لهم من أسئلة. وأن يكون الاطمئنان والثقة هما الأساس في الاستماع لهؤلاء العقلاء. وخبرتنا تؤكد أن هذا المواطن البسيط في منتهي الذكاء ويستطيع بحسه وشعوره أن يميز بين الآراء وكذلك بين الأشخاص. ولعله لا يغيب عن خاطرنا أن هذا المواطن الذي عاصرناه سنوات طويلة يبتعد عن الإنسان الذي يتلاعب به أو يحاول استغلاله وإذا تحاور معه فإن الحديث بينهما يكون خاطفاً. بينما تراه يقبل علي الشخص المتزن العاقل. الذي يرشده إلي الطريق الصحيح بعيداً عن الزيف أو الخداع. هنا المواطن البسيط يدرك أين تكمن مصالحه. ورغم الأمية التي ترتفع نسبتها بين شعبنا إلا أن هذا الأمي بذكائه قد أدهش العلماء والحكماء. ولا يغيب عن ذاكرتي ذلك الرجل البسيط الأمي حين وجدته يذهب إلي رجل من أهل الرأي والثقة وحين سألته لماذا تتوجه إليه وهناك الكثيرون غيره. كان في منتهي الذكاء والخبرة حين قال: لا تعتقد بأنني أمي وفلاح بسيط لكنني بخبرتي في فلاحة هذه الأرض والعمل الشاق في أركانها أستطيع أن أدرك الفرق بين الصواب والخطأ. أستطيع رغم أميتي أن أخيِّر بين أهل الإفك والضلال والمتاجرين بآرائهم لاستغلال البسطاء. ثم أردف قائلاً: الشقاء والمعاناة خبرة جعلتني أدرك الفرق بين أهل الضلال والرأي السديد. تصوروا أن هذا المواطن البسيط كنت أرافقه في سرادق عزاء وحين أخذ القاريء يتلو آيات من القرآن الكريم ارتفع صوته قائلاً: لقد أخطأت يا شيخنا. وقد كان علي صواب وحين سألته كيف أدركت هذا وأنت أمي أجاب بفطنة أخرستني قال: القرآن يخاطب الفطرة البشرية وقد أدركت ذلك الخطأ من خلالها وذكرني بأن الأمية لا تحول بينه وبين معرفة الخطأ والصواب. أتطلع إلي فطنة هذا المواطن البسيط وآمل ألا يخضع لأي إغراءات أو ضغوط مادية أو معنوية وليدرك أن هذه شهادة سوف يحاسبه الله عليها فقط يجب أن تكون الخبرة والقناعة هي الأساس في إبداء الرأي سواء كانت بأي إجابة. ويجب أن يرفض أي أساليب تبعده عن هذا الطريق ولتكن خبرته القاعدة في رفض أي إغراءات أو رشاوي مادية أو معنوية. الوطن في أشد الحاجة إلي الرأي السديد. في النهاية أقول لكل من يلتف حول أبناء شعبنا من البسطاء ارفعوا أيديكم عنهم. اتركوهم يقولون كلمتهم بمنتهي الحرية ودون ضغوط ودعونا نتجاوز هذه المرحلة التي ذقنا فيها حرارة الانقسام والتشرذم. دعوا المواطن يبدي رأيه بلا ضغوط وأطالب كل مواطن بالتوجه إلي صناديق الاستفتاء وإبداء رأيه وأناشده عدم المقاطعة.. الوطن في أشد الحاجة لرأيه. ثم إن علينا جميعاً الاقتناع بنتائج الاستفتاء الصحيحة والصادقة الصادرة بإشراف قضائنا العادل لعلنا ننعم بالأمن والاستقرار. ودعوات من القلب بأن يحقق ربنا الأمن والاستقرار لوطننا وكفانا انقساماً وشقاقاً!