ملف أراضي الدولة علي مدار السنوات الماضية مليء بكل المخالفات الصارخة والصادمة فالفساد منتشر إلي حد كبير والاستيلاء علي الأراضي تم بطرق ملتوية وغير شرعية لتحقيق أرباح خيالية علي حساب الدولة والمواطن!! وهناك أيضا من حصل بالقانون علي مساحات شاسعة ولكن قام بتغيير الأنشطة المخصصة لاستخدامات الأراضي ليهدر علي الدولة ملايين من الأفدنة المخصصة للزراعة في الوقت الذي نحتاج فيه لتوفير المحاصيل الزراعية لسد احتياجاتنا من الأمن الغذائي إلي جانب ضياع مليارات الجنيهات من أموال الدولة كنتيجة طبيعية لتغيير الاستخدامات. التقارير التي أعدها مركز تخطيط استخدامات أراضي الدولة رصدت الكثير من التجاوزات من قبل المستثمرين وواضعي اليد. اللواء عمر الشوادفي رئيس المركز أوضح أن الجهاز قام بجهد خارق بالتعاون مع الجهات العلمية المتخصصة لحصر جميع الأراضي التي تم الاستيلاء عليها خاصة علي الطرق الصحراوية مشيرا إلي ضرورة عدم السماح بتكرار أخطاء الماضي لإيقاف نزيف الخسائر والنهب حفاظا علي حق الأجيال القادمة وعلي ثروات الوطن. قال إن تطبيق القانون أمر واجب لتحقيق الردع المطلوب فقد آن الأوان لإغلاق الثغرات نتيجة لتعدد الولاية علي أملاك الدولة. أشار إلي أنه يتم حاليا مراجعة شاملة للخرائط والمخططات بالتعاون مع وزارة الإسكان لتصحيح أوجه الخلل وإلغاء الثقافة السائدة قبل الثورة في التعامل مع أراضي الدولة باعتبارها شيئا مستباحا. *سألناه: كيف يكون المركز هو المسئول عن تخطيط استخدامات أراضي الدولة وتنتشر المخالفات بكل أشكالها في ملف الأراضي؟ **أجاب: صلاحيات المركز ليست في متابعة ما يتم علي أرض الواقع من ممارسات أو في الرقابة علي عمليات البيع لكن دورنا هو حصر جميع أراضي الدولة وعمل الدراسات اللازمة لتحديد الأنشطة المختلفة والمستهدفة من الاستثمار لتنميتها واستخدامها في إطار السياسة العامة للدولة. وجهات الولاية هي المسئولة فيما يتعلق بعمليات البيع والتخصيص وإقامة المشروعات المختلفة والرقابة علي كل ما يتم من أعمال علي الأراضي. وعلي الرغم من ذلك كان المركز يرصد المخالفات والتجاوزات ليضعها أمام المسئولين ولكننا لم نجد أية استجابة فيما مضي لنوقف سوء الاستخدام الجائر ضد الأرض بل كنا نواجه بالحرب والرغبة في إبعادنا عن القيام بعملنا. أصحاب المصالح * من المستفيد من تهميش دور المركز؟ ** في الماضي هناك الكثيرون كانوا يعملون ضدنا من أصحاب المصالح وقد حاول وزير المالية الهارب د.بطرس غالي تقويض دور المركز وإلغائه بإبعادنا عن الساحة لدرجة أنه استعان بالأمريكان لعمل دراسات حول ما يقوم به المركز لكنهم أكدوا أن المركز يؤدي دوره علي الرغم من ضعف الإمكانيات وعدم السماح بوجود أفرع له في المحافظات تمكنه من القيام بالمهمة التي أنشيء من أجلها. إضافة إلي أنه حتي الآن لا نملك حق الضبطية القضائية التي تساعدنا في حماية الأراضي من كل ما تتعرض له ومن التصدي لأسلوب البلطجة وفرض القوة لواضعي اليد. نحن نحاول الحفاظ علي 238 مليون فدان ب107 موظفين فقط. * هذا الكلام يشير إلي عدم وجود تنسيق بينكم وبين الجهات الأخري المسئولة في الدولة؟ ** بالفعل فقد كنا نعمل وفق الثقافة السائدة لغياب التعاون والتنسيق في ظل تعدد الجهات مما يسمح بالانفلات وغياب المسئولية فكانت النتيجة الطبيعية هي التجاوزات والتعديات علي مساحات كبيرة من أراضي الدولة وكذلك تغيير الاستخدامات بدون ضوابط مما ترتب عليه ضياع مستحقات مالية تقدر بمليارات الجنيهات علي الدولة. * هل هناك حصر دقيق للأراضي بصفة عامة في مصر؟ ** بالفعل منذ عدة سنوات تم عمل حصر علمي دقيق بالتعاون مع هيئة المساحة وكلية الهندسة وهيئة الاستشعار عن بعد ومعهد بحوث الصحراء ولدينا الآن خرائط كاملة وقاعدة بيانات واضحة ومحددة. كل هذا ليس بهدف تحديد نوع النشاط الذي ينبغي إقامته علي الأراضي ولكن لهدف معرفة ما في باطن الأرض من ثروات معدنية أو مياه جوفية. * تمثل مشكلة وضع اليد كارثة حقيقية هل تم رصد الأماكن والمساحات؟ ** التجاوزات في هذه القضية تحديدا غير عادية وعشوائية وعلي مساحات كبيرة من أراضي الدولة وتظهر بوضوح في الطريق الساحلي بين الإسكندرية ومطروح ومحافظات سيناء والبحر الأحمر وكذلك الطرق الصحراوية.. هناك شركات استغلت الظروف وقامت ببيع الأراضي للناس دون أن يكون لها مستندات تؤكد ملكيتها وهناك أفراد لديهم ملكية 200 فدان ولكن تحت يدهم 1000 فدان. لدينا مستندات تؤكد أن أحد الأفراد وضع يده علي مساحة 55 ألف فدان من أراضي الدولة في ظل سنوات الفساد الضارب بجذوره في أراضينا منذ عقود. آليات العمل * ما هي آليات العمل في متابعة خطط الاستيلاء علي الأراضي؟ ** ليس لدينا آليات تمكننا من ذلك سوي حرصنا الشديد علي هذه المهمة الوطنية.. لقد كنا نقوم بمتابعة الإعلانات التي يتم نشرها بواسطة الشركات المختلفة التي تتاجر في بيع الأراضي واكتشفنا أن الملف مثقل بممارسات خاطئة وأعمال نصب ونهب. لذلك لابد من تحرك لملاحقة هؤلاء واسترداد حقوق الدولة واحذر المواطنين من الجري وراء الإعلانات. * ما هي الصلاحيات المحددة للعمل وهل تحتاجون إلي تقنيات حديثة للقيام بدوركم؟ ** أعطانا المشرع صفة أساسية وهي حصر وتقويم أراضي الدولة خارج الزمام وإعداد التخطيط العام لتنميتها وإعداد خريطة الاستخدامات للأراضي وعلي الرغم من ضآلة ميزانية المركز التي تبلغ 7.5 مليون جنيه إلا أننا نقوم بعملنا بالتعاون مع الجهات السابق ذكرها وفق أحدث النظم والتقنيات العالمية المتبعة وينقصنا السلطة القانونية وتفعيل القرارات التي نصدرها.. أيضا زيادة الميزانية مطلوبة لأننا نحتاج لافتتاح أفرع بالمحافظات وضرورة متابعة تصوير الأراضي بالأقمار الصناعية كل ثلاث سنوات. * ماذ عن حالات تغيير النشاط وسوء الاستخدام؟ ** هناك ما يقرب من 67 ألف كيلو متر مربع حصل عليها المستثمرون بغرض استصلاحها زراعيا ثم قاموا ببيعها علي أنها أراضي مباني هذا في طريق مصر الإسماعيلية ونتيجة لذلك حققوا مكاسب خيالية هذا إلي جانب أن إحدي الشركات حصلت علي 26 ألف فدان بغرض الاستصلاح والزراعة ثم قاموا بتقسيم الأرض إلي مساحات صغيرة لإنشاء مجتمعات عمرانية بدلا من استصلاح الأرض وزراعتها. القائمة طويلة ومظاهر سوء استخدام الأراضي متعددة وواضحة علي جميع الطرق الرئيسية التي تربط محافظات مصر بداية من مصر إسكندرية حتي أسوان. اعتقد أن مستحقات الدولة عن بيع أراضيها تصل مبدئيا إلي 100 مليار جنيه ويكفينا خسائر استنزاف الخزان الجوفي من المياه بسبب تغيير الأنشطة وكذلك انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية. * ماذا عن وضع الأراضي السياحية؟ ** حاليا هناك مراجعة لنظام طرح الأراضي الخاصة بالاستثمار السياحي علي أن يتم طرح المشروعات وفق نظام حق الانتفاع والمركز يقوم علي مراجعة جميع الآليات اللازمة بالتعاون مع الجهات المعنية. نزيف الخسائر * ما هو الحل لإيقاف نزيف الخسائر وإغلاق منافذ الفساد في ملف الأراضي؟ ** بداية لابد من تضافر كل الجهود المخلصة لاسترداد أراضي الدولة المنهوبة وإعادة تثمين الأراضي التي يتم تخصيصها بالأمر المباشر مع مراعاة العدالة في عملية التقييم ويكفي أن نعلم أن الدولة قد منحت الأراضي تشجيعا للاستثمار بسعر 200 جنيه للفدان من أجل الزراعة وهناك من باع الفدان بأكثر من 8 ملايين جنيه.. لابد أيضا من تطبيق نظام الشباك الواحد للبيع في ظل وجود عدة جهات مسئولة عن الأراضي بحيث تتولي وزارة الاستثمار وحدها عملية البيع حسب نوع النشاط ويتم تحديد الأسعار من خلال لجنة مشكلة من وزارة المالية ومركز تخطيط الأراضي وجهة الولاية.. لابد من معايير ثابتة وواضحة ومعلنة حتي نغلق أبواب التلاعب.. لقد أعددنا مشروعا متكاملا منذ عدة سنوات للقضاء علي هذه الإشكالية لكن لم تكن هناك إرادة ورغبة تدعم هذا التوجه. * هل تم حصر أعداد الشركات المخالفة والتي قامت بالاستيلاء علي الأراضي؟ ** لقد قامت لجنة من المركز بعمليات الحصر ووجدنا أن القائمة تضم 28 شركة وقمنا بإرسال التقارير للأجهزة المختصة لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية تجاه هذه الشركات. ومازلنا نعتمد علي شكاوي المتضررين للقيام بعمليات الفحص والحصر بواسطة المتخصصين في المركز. خطط مستقبلية * ما هي خطتكم المستقبلية؟ ** لقد ساعدتنا الثورة أن نستعيد دورنا وأن نساهم في كشف الكثير من الحقائق ووضعها أمام المسئولين بهدف الإصلاح والتصدي للفساد. والجدير بالذكر أن هناك تعاونا كبيرا مع وزير الإسكان د.طارق وفيق الذي يعمل علي تصويب مسار هيئة التخطيط العمراني والمجتمعات العمرانية وحاليا نقوم بعمل مراجعة لكل الخرائط والمخططات الخاصة باستخدامات أراضي الدولة لتصحيح أوجه الخلل خاصة التي تمت فترة ما قبل الثورة وسيكون دور المركز مفعلا من خلال التزام الجهات المعنية بما يعده من تقارير. أضاف أن المركز سيعمل خلال الفترة المقبلة علي مراجعة خريطة فرص الاستثمار حتي عام 2017 بحيث تكون أكثر توافقا مع التغييرات التي شهدتها مصر بعد الثورة مشيرا إلي أن ما تم إنجازه من هذا المخطط لا يتجاوز 5% موضحا أنه لا يمكن أن نضع أية مخططات أخري لحين الانتهاء من المخطط العام. * ماذا يتضمن مخطط استغلال الأراضي حتي عام 2017؟ ** يتضمن إقامة 42 مدينة مستقبلية لاستيعاب الزيادة السكانية.. هناك مخطط لاستغلال الأراضي غرب الدلتا يتيح فرص عمل ويحمي الأراضي من التعدي وكذلك مخطط منخفض القطارة يحقق كافة الأنشطة والاستثمارات في مجال الزراعة والصناعة إلي جانب المخطط الخاص بتنمية وتعمير سيناء فكل أجهزة الدولة مهتمة بأرض الفيروز لأهميتها بالنسبة للأمن القومي وسوف تشهد الفترة القادمة تشديدات وقواعد وإجراءات جديدة لمنع التلاعب في أراضي سيناء حتي لا ندخل في مشكلات أو اصطدام بالقانون الدولي. * حاليا يتم إعداد منظومة متكاملة لمكافحة الفساد والتصدي له.. كيف ترون هذه الخطوة لحماية الأراضي؟ ** لا شك أنها خطوة إيجابية علي الرغم من أننا تأخرنا كثيرا لكن لابد أن تقوم كل الأجهزة الرقابية بدورها تجاه هذه الظاهرة ولابد من كشف كل مظاهر الفساد في أي قطاع أمام الرأي العام. بالنسبة للأراضي فمن المؤكد أن أهم خطوة هي استرداد حقوق الدولة التي أهدرها واضعو اليد وغيرهم من المستثمرين الذين غيروا الأنشطة المحددة وقاموا بالاتجار فيها والأهم هو مراقبة استخدامات الأراضي في عملية التنمية والتأكد من أنها تسير وفق ما هو مخطط له والأهم أننا لسنا بحاجة للمزيد من القوانين بقدر ما نحتاج لتفعيل القوانين الموجودة ومبدأ الثواب والعقاب. * ما دور اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء لتسوية مستحقات الدولة؟ ** هذه اللجنة مكونة من مجموعة من الخبراء في الأرض وأساتذة القانون لدراسة أوضاع المستثمرين الذين قاموا بمبادرات وابدوا رغبتهم في التصالح مع الدولة وإعادة الأموال المستحقة لها. وهناك مبادرة من الشركة المصرية الكويتية التي حصلت علي أرض في العياط تبلغ مساحتها 26 ألف فدان لتسوية النزاع وسداد المبالغ المستحقة للدولة والتي تصل إلي عدة مليارات وحاليا تتم المرحلة الأولي من المفاوضات بين اعضاء اللجنة والشركة.