المتفرج المتابع للأعمال التركية في التليفزيون والسينما يشتم رائحة حنين قوية الي عصر الدولة العثمانية "1299 - 1923" الذي دام أكثر من ستمائة سنة. وبسطت سلطانها علي ممالك ودول في القارات الثلاث آسيا وافريقيا وأوروبا. وفي الفترة الأخيرة استحوذت الدراما التركية علي اعجاب المشاهدين بالدول العربية وتفوقت في قوة جماهيريتها علي المسلسلات الأمريكية في عصرها الذهبي: الجريء والجميلة. وفالكون كرست. مسلسل مثل "حريم السلطان" حقق نسبة مشاهدة غير مسبوقة إلي جانب المسلسلات الأخري العديدة التي خصصت لها قنوات عربية لا تعرض سوي الانتاج التركي.ساعدت عملية الدبلجة العربية لهذه الأعمال علي زيادة تأثيرها وفتحت للفرجة وللمتفرج نوافذ للتواصل والتوحد مع كثير من الشخصيات وبلغت درجة الاعجاب بالممثلات والممثلين الاتراك درجة مدهشة.. إلي جانب التأثير العاطفي والجمالي هناك الحكايات الشيقة المحبوكة والأهم الاحساس بالتاريخ ورموزه وعظمته سلاطين هذه المرحلة. مسلسل "حريم السلطان" يستحضر الفترة التي حكم فيها السلطان سليمان القانوني. ابن سليم الأول عاشر السلاطين في الدولة العثمانية والسلطان الأكثر قوة ووساهة. تولي الحكم وعمره 25 سنة وظل يحكم لمدة 46 عاما "522 - 566 هجرية". وقد شهدت الدولة العثمانية ابان حكمه قمة القوة والسلطان واصبحت في عهده سيدة العالم حسب ما تقول بعض المصادر التاريخية. ويعتبر المؤرخون ان هذا السلطان الذي شغلنا المسلسل بحريمه وما كان يدور في "حرملك النساء" في القصور المهيبة التي سكنها. انه أحد أعظم الملوك علي مر التاريخ.. والمسلسل يرسم الجانب الآخر الذي لم يعجب بعض الاتراك بمن فيهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي اتهم المسلسل بأنه محاولة لعرض الجانب السلبي في تاريخ تركيا للجيل الشاب ولكن للجمهور رأي آخر فالدراما التاريخية التركية لم تتوقف عند حريم السلطان وإنما طالت أمجاد السلاطين العسكرية. وامجاد هذه الدولة في أوج قوتها من خلال فيلم "فتح القسطنطينية" الذي عرض منذ فترة قليلة في القاهرة وقدم الملحمة العسكرية العظيمة لمحمد الفاتح. وفي هذه الأيام تعرض علي القنوات العربية مسلسل "الدولة العثمانية" أو "أرض العثمانيين" الذي يعيد إلي الأذهان عملية صعود هذه الامبراطورية التي حكمت مصر سنوات طويلة. ومن يقرأ الصراعات الطويلة والمؤامرات التي حبكت ضد هذه الامبراطورية من قبل الدول الغربية والعالم المسيحي. والحروب التي شنت عليها من أجل إضعافها ثم يعود للأسباب الكثيرة التي ادت الي ضعفها وإنهيارها وتقسيم ممالكها بعد ان اصبحت "الرجل المريض" الذي عمل الغرب الاستعماري بكامل قوته علي تقسيمها وتوزيع ارثها. من يعود للتاريخ سوف يكتشف ان مصر تعيش مؤامرات شبيهة بتلك التي حيكت ضد الدولة العثمانية من أجل إنهاكها والانقضاض عليها وتقسيمها واضعاف مركزها الاقليمي والدولي. ان الحنين إلي الدولة العثمانية من قبل الاتراك وإلي ايام الخلافة يؤكده هذا التيار من الاعمال الفنية التي تتكلف ملايين الدولارات ويغلب عليها الجانب التاريخي. ويحقق لها النجاح الفني والتجاري. مستوي الإبهار في عنصر التصوير ودقة التفاصيل والديكور الأبهة والمناظر التاريخية واستحضار الأماكن والمدن وبعث المعارك بالزخم والقوة العسكرية والعددية المناسبة بالاضافة إلي آداء الممثلين الواثق بملابسهم ومجوهراتهم وغير ذلك من الأدوات الفنية المثيرة. السلطان سليمان القانوني الذي جسد دوره الممثل التركي خالد ارغتش اصبح شخصية معروفة جداً في الدول العربية.. وكذلك السلطانة "هيام" أقرب زوجاته إلي قلبه والتي لعبت دورها ممثلة المانية من اصل تركي هي مريم اوزيرلي. وقد صارت بدورها نموذجاً للجمال الانثوي الطاغي. والفاتنة الداهية حيث الحريم والنساء من أصل أوروبي واللاتي كن يقتدن كهدايا لسلاطين هذه الدولة. كن من بين اسباب الضعف والوهن الذي اصاب الدولة العثمانية.