كنت ومازلت وسوف أظل علي قناعتي بأنه لن تكون في مصر تنمية ثقافية حقيقية من دون تفعيل ما يسمي بالثقافة الجماهيرية. هناك مايقرب من أربعين صالة عرض سينمائي تابعة لادارة الثقافة الجماهيرية في وزارة الثقافة معطلة وغير قابلة للاستخدام!! تجربة الثقافة الجماهيرية وبالذات نوادي السينما التي كانت تقام في قصور الثقافة المنتشرة في المحافظات ظلت لفترة فعالة ومؤثرة طوال الستينيات وحتي السبعينيات. النقاد والمثقفون المهتمون بالثقافة السينمائية كانوا يذهبون بتكليف من ادارة السينما للمشاركة في ندوات اسبوعية وكان لكل ناد سينما جمهوره من أبناء المحافظة والطلبة الدارسين في جامعاتها أو الجامعات القريبة منها. ورغم ما كان يشوب التجربة من قصور أحيانا يرتبط أساسا بعدم وصول نسخة الفيلم أو تأخير وصوله نظرا لأن حركة الافلام كانت تخضع لجدول وتنتقل بصحبة موظف في المواصلات العادية المتاحة محليا. رغم ذلك نجحت التجربة بنسبة معقولة في تعريف جمهور هذه النوادي بماهية الفيلم وعناصره الفنية وأهم المخرجين الذين أثروا في تطور هذا الوسيط. وانواع الأفلام وتنوعها بعيدا عن الفيلم الأمريكي المعتاد. مع الابقاء علي عرض بعض نماذج منه تمتلك قيمة فنية وترفيهية كبيرة. ومن المؤكد ان التجربة لو كانت تطورت وتمت رعايتها كرافد رئيسي في تحقيق التنمية الثقافية اذن لكان لدينا جمهور واسع قادر علي التذوق الفني ولديه حساسية تؤهله لانجاح المهرجانات "الدولية" التي تقام علي اراضينا ولا يحضرها حاليا من الجمهور المحلي الا العاملون في الصحافة الفنية ونسبة نادرة من المثقفين وقلة من الفنانين الذين حضروا للتكريم أو المشاركة في لجان التحكيم وليس أبدا للفرجة علي الافلام. حتي الآن لم تفلح المهرجانات السينمائية رغم انتشارها وزيادة اعدادها باضطراد في تكوين جمهور متذوق يسعي الي مشاهدة الأفلام والمشاركة في الندوات المقامة عنها الأموال التي تستهلكها المهرجانات بالاضافة إلي الاستفادة العينية التي تحظي بها قلة من المستفيدين تعتبر من وجهة نظري المتواضعة نشاطات منظرية تتعلق بدوافع البهرجة والادعاء المزيف بأننا بلد الأمن والامان أو بهدف الترويج السياحي.. والحقيقة انها أموال مهدرة لاتحقق أمناً ولا سلاماً ولا ثقافة ولا رواجاً فنياً أو سياحياً ولا تشكل جمهوراً ينتصر للفنون الجادة. ما يثير التفكه اعتقاد بعض مقطوعي الصلة بالثقافة المحلية وطبيعة مكونات الجمهور المستهلك للفيلم وللثقافة عموما. إعتقادهم بأن ما ينظمونه مهرجانات ناجحة ويشكون من عدم كفاية الدعم الحكومي الذي تقدمه مؤسسات الدولة!! كيف يقام مهرجان في بلد ليس به كليات ولا معاهد ولا دار عرض سينمائي ولا يعرف أهله السينما ولم يشاهدوها في أماكنها. الأولي ان يتم تجديد مقر الثقافة وان ينظم المسئولون فيه نادياً للسينما. وأن يقام عروض للأفلام ومناقشتها كما كان يحدث. وأن يتم ذلك علي نحو ممنهج بهدف تحقيق تنمية ثقافية فعلية. الاولي بأموال الدعم انعاش الثقافة الجماهيرية التي تعيش في موات ثقافي وعملي. واعادة بعث مشروع نوادي السينما في الاقاليم بجدية وايمان بدورها الثقافي. من دواعي السخرية مقارنة اعداد المهرجانات في بلد مثل فرنسا مع عددها هنا في مصر. في فرنسا لاتوجد نسبة أمية وان وجدت ستكون بين الاجيال الأولي للمهاجرين من دول شمال افريقيا والبلدان الفرانكفونية التي احتلتها فرنسا. في مصر نسبة أمية تزيد علي نصف تعدادها امية أبجدية وامية ثقافية ونسبة أمية بصرية اي عجز عن قراءة لغة الصورة. ناهيك عن نسبة الفقر المدقع والتخلف المصحوب بجهل وانعدام وعي وتعاسة مفرطة بسبب كل هذه الأمور. الثقافة في حاجة ملحة الي طاقات "نور" وليس إلي مهرجانات. إلي نور علم ومعرفة ورغيف عيش آدمي. ولكن .. هل الدولة معنية فعلا بالثقافة وبالتنمية الثقافية للجماهير؟؟ من المؤكد أن نظام مبارك كان ينتشي بالجهل والفقر والمرض ولكن هل ما زالت الدولة ممثله في وزارة الثقافة تنتهج نفس السياسات وهل تتطلع بالفعل إلي تنمية ثقافية وإلي فن جماهيري وجماهير واعية؟؟!! هل سنبدأ مرحلة مابعد ثورة 25 يناير أم أنها كانت حلما وأماني ووهما؟؟