يهرب البدو من أبناء القبائل ببادية شبه جزيرة سيناء من زمهرير البرد القارص إلي التدفئة عن طريق النار التي تعج بها المقاعد والمنازل البدوية البسيطة وخلال الايام الماضية شهدت شبه الجزيرة بقسميها الشمالي والجنوبي ظروفا جوية صعبة للغاية نتيجة انخفاض درجات الحرارة في بعض المناطق الصحراوية وهبوب الرياح وهطول الامطار مما أضفي نوعا من البرودة القاسية علي المناخ العام بشبه الجزيرة. ثقافة ابناء القبائل من بدو سيناء لم تتغير بالرغم من دخول عصر المعلوماتية والانترنت واقتحام عدد من الاجهزة الكهربائية عالم التدفئة فالفكر السائد لدي كثير منهم ان النار المشتعلة أفضل بكثير من مخترعات العصر الحديث والتي من وجهة نظرهم لا ترقي إلي مستوي التدفئة عن طريق النار فسعادة البدوي في نار مشتعلة حولها برادات الشاي والقهوة يخرج منها الدخان الذي يشبهه البدو بالبخور ويطربون لرائحته ليلقي كل منهم بخرافته الحكاية علي مسامع الآخرين لتشق سكون الليل البهيم. والاحتطاب مهنة مازالت منتشرة بربوع شبه الجزيرة ويمتهنها عشرات البدو لأنها ليست مكلفة ورأسمالها قليل وتدر ربحا عاليا ولا تحتاج إلي الخبرة فيكفي ان يحمل البدوي شرخة "البلطة" ويذهب إلي مكان الاحتطاب ويقوم بقطع الاشجار إلي قطع صغيرة وبيعها. وتجارة الاحطاب رائجة في شبه الجزيرة فهناك ثلاثة انواع من الاحطاب وهي احطاب اشجار الزيتون واحطاب اشجار الرتم واحطاب اشجار العجرم وتختلف اسعارها من نوع إلي آخر وهي تباع بحمولة السيارة الربع نقل ويتراوح سعر الحمولة من 200 جنيه إلي 400 جنيه للسيارة الواحدة التي تكفي المقاعد والمنازل لمدة شهرين. ويمنع البدو قطع الاشجار الخضراء ويعتبرونها جريمة تستوجب اللجوء للاحتكام العرفي والتغريم كما يجرم الاحتطاب في أراضي القبائل الأخري فكل قبيلة لها ارضها وما عليها من اشجار واحطاب ملك لها. وينتشر الزيتون بمنطقة الشمال حيث يقوم صاحب المزرعة الذي يريد اقتلاع اشجار الزيتون منها للتجديد بعد انخفاض انتاجها نتيجة هرمها أو لزراعة انواع جديدة تعطي انتاجية أفضل بالاتفاق مع أحد تجار الاحطاب علي الحصول علي الاشجار مقابل اقتلاعها من جذورها وتنظيف الأرض وتمهيدها للزراعة ويقوم التاجر بجلب لودر بالايجار واقتلاع الاشجار ثم تقطيعها إلي أجزاء ويقوم ببيع الجزء الأخضر إلي مربي الأغنام لاستخدامه كغذاء للأغنام ويقوم ببيع الاعمدة لاستخدامها في بناء المنازل والعشش البدوية ثم يتبقي جزء كبير يبيعه إلي الأهالي للتدفئة بعد تقطيعه إلي قطع صغيرة الحجم وتركه لمدة عام كامل للجفاف حتي يمكن اشعاله وتعطي اشجار الزيتون نارا جيدة تستمر لفترة اطول من الانواع الاخري من الاحطاب لذلك يرتفع ثمنه عن الأنواع الاخري من الاحطاب. وتنتشر اشجار الرتم واشجار العجرم بمنطقة وسط سيناء وبوديان الجنوب ولا يقترب البدو منها إلا بعد موت الشجرة وجفافها حيث يتم تقطيعها وبيعها إلي التجار لبيعها إلي المواطنين واسعارها تقل عن أسعار اشجار الزيتون وتنشيط تجارة الاحطاب في الشتاء حيث البرد القارص وفي المناسبات الدينية والبدوية كالأعراس وموسم رجوع الحجيج من الأراضي المقدسة والمناسبات الاخري حيث يتم ذبح الماشية وتسويتها علي النيران دون استخدام وسائل انضاج الطعام الحديثة. ويمكن للبدو شراء سيارة ربع نقل كاملة أو نصف سيارة أو أي كمية يحتاجونها في المناسبات دون معوقات من التجار وفي بعض الوقت يتم التعاقد مع تاجر بعينه لتوريد الاحطاب إلي المقاعد والدواوين كل فترة بأسعار اقل من السوق في عقد غير مكتوب ولكنه ملزم لأن الكلمة اقوي من المكتوب ويري كثير من البدو ان كانون النار في المنزل من الاساسيات حتي في المنازل الحديثة يخصص مكان له بوسط المنزل حتي ان البعض خصص مداخن لاخراج دخان النار خارج المنزل واشتكي لي احد اصدقائي عدم زيارة والده له في منزله وعندما سئل الأب عن ذلك قال: ان ابني لا يوقد النار بالمنزل وانا لا استطيع الجلوس في مكان لا توقد فيه النار معتبرا ان ابنه منقوص البداوة وتستخدم الاحطاب في اشعال النيران وفي انضاج الطعام وفي اعداد الشاي والقهوة وكلما ارتفعت ادخنة النار كلما دل علي كرم أهل المقعد.