بدأت صلتي ب "المساء" في مبناه القديم بشارع الصحافة. اللافتة أعلي المصعد كتب عليها: "اثنان فقط وإلا سقط. بمعني أن المصعد يسع اثنين فقط". التقيت كمال الجويلي وعبدالفتاح الجمل وعايدة صالح وناصف سليم وعبدالحميد عبدالنبي وشفيق خالد وعبدالوهاب دنيا وسعد التايه وجيلي عبدالرحمن وفاروق منيب. الجو الأسري شجعني ان انتقل من "الجمهورية" إلي "المساء". أمضيت ليلة بطولها أدقق. وأنمق. في كتابة باب اسمه "خمس دقائق" هي مدة اللقاء المفترض بين المحرر والضيف. وكان - فيما أذكر - مع الشاعرة الراحلة ملك عبدالعزيز. ثم كتبت "يوميات الشعب" وتتناول جوانب من حياة البسطاء. أظل - وزملائي الشباب آنذاك: رفعت حكيم ومحمد أمين ومحيي السمري وملك اسماعيل - في الجريدة من الصباح إلي منتصف الليل. طعامنا شكك والدفع لعم منصور عامل البوفيه آخر الشهر. يأخذ كل المكافأة التي نتقاضاها. ونقترض منه - إلي جانب سندوتشات البوفيه - حتي يحل الشهر التالي. نتمشي - محيي السمري وأنا - في الشوارع القريبة. تحاول كلماتنا اختراق ضبابية قادم الأيام: هل أصبح المبدع الذي أتيت من أجله إلي القاهرة؟ وهل يصبح السمري ذلك الصحفي الذي يتمناه؟ يوماً. غابت الزميلة الكبيرة هدي توفيق. طلب مدير التحرير سليمان مظهر أن أكتب بابها "المفكرة الدبلوماسية" غرقت في بحر من العرق. وأنا أتصل - لأول مرة - بهيئات دبلوماسية. أسأل عن أخبارها. رضا سليمان مظهر انعكس في طلبه ان أذهب إلي مطار القاهرة. لاستقبال طفل أجري له الطبيب المصري الشاب - يومها - حمدي السيد أول عملية جراحية من نوعها في القلب. ثم اشترط سليمان مظهر ان أقرأ جيداً في نظم العلاج خارج مصر. قبل أن أكتب تحقيقا عن مشكلات العلاج في بلادنا. عرفت أن الكثير من دول العالم المتقدم لا تعرف العيادات الخاصة. بل يقتصر العلاج علي المستشفيات. يعني شبه تأميم للطب . وإن سميته تنظيم الطب. كتبت - بعد ذلك - دراسات ثقافية ومجتمعية. وأجريت حوارات. وأتاح لي اقترابي من العمل الدبلوماسي الذي حققه لي غياب هدي توفيق عن مفكرتها الدبلوماسية. أن أنشر العديد من المانيشيتات عن تطورات الأوضاع في بعض الأقطار العربية. لم يقتصر العمل علي الكتابة. بل علمني الجمل وجويلي فنية الماكيت في الصفحة التي أحررها. زكاني - لما سبق - أستاذي عبدالمنعم الصاوي خبيراً في مركز الدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير. بتعدد أنشطته في الوطن العربي. وحين سافرت في رحلة عمل إلي الخليج. لم أكن قلقاً من تجربة إصدار جريدة بمفردي. أنا كل أسرة التحرير. أكتب الخبر والتحقيق والدراسة والمقال. وأراجع وأصحح. وأتصور "الماكيت" وأنفذه. كنت قد تعلمت في "المساء" ما أعانني علي خوض التجربة. أدين للمساء بأفضال كثيرة.