منذ خمس سنوات تنظم المخرجة والمنتجة التسجيلية ماريا خوري مهرجانا للسينما الأوروبية من دون أن تطلق عليه هذا المصطلح الكبير "مهرجان" ومن دون أن تمد يدها للمؤسسات الحكومية طالبة دعما ماليا يستفيد منه قليلون ومن دون "هيصة وزمبليطة" أو محافظ أو وزير وبلا جوقة من الكتيبة تقوم بتجنيدها لزوم الدعاية والابتزاز. بمفردها وبهدوء وبنجاح كبير أيضا تختار أفضل ما انتجته السينما الأوروبية مجموعة من الروائع الحاصلة علي جوائز المهرجانات العالمية تقدمها تحت عنوان أكثر دلالة "بانوراما السينما الأوروبية". "البانوراما" تبدأ الأربعاء 3 أكتوبر وتستمر حتي التاسع منه وعلي مدي السنوات الخمس الماضية أصبح لهذه المناسبة الفنية الثقافية جمهور سينمائي متذوق ينتظرها وتشكل من بين هذا الجمهور نخبة من شباب النقاد الجادين يعرفون قيمة ما سوف يشاهدونه ويدركون أهمية المناسبة في كسر احتكار الفيلم الهوليودي وخلق جمهور لمدارس أخري في مجال الابداع الفيلمي غير جماهير السينما التجارية. تخصص "ماريان" خمسين تذكرة مجانية يوميا للصحافة والنقاد والمهتمين العاملين في مجال السينما.. وتقام العروض في دارين للعرض في المنيل ومدينة نصر. فيلم الافتتاح الذي يسبقه حفل كوكتيل حائز علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي الدولي الأخير "2012" بعنوان "نصيب الملائكة" وهو للمخرج الأيرلندي كين لوش وبطولة بول برانجان وجون هنشو وانتاج المملكة المتحدة "انجلترا" ويتناول قصة شاب صغير صار أبا لتوه وأوشك في نفس الوقت أن يمضي فترة عقوبة داخل السجن وبدلا من قضاء مدة الحبس في الزنزانة تحكم المحكمة بإلزامه ساعات عمل محددة يقضيها في خدمة المجتمع وذلك نظرا لوضعه الجديد كمسئول عن طفل رضيع وعن أسرة! القصة مزيج من الكوميديا والدرامما وأحداثها عن تجارب الشباب الذين يؤدون أدوار البطولة فيها وتعكس ثقافة ومزاج وتقاليد خاصة بالمجتمع الانجليزي. ويصور الفيلم مثله مثل باقي الأعمال الأوروبية المعروضة في البانوراما الاختلاف الكبير بين السينما الأوروبية وبين السينما الأمريكية التي تعودنا عليها من حيث الموضوعات وأساليب التناول أو بين السيما الثقافية الفنية وبين السينما الشعبية التجارية. من بين أجمل الأعمال المعروضة في البانوراما الفيلم الايطالي "القيصر يجب أن يموت" للأخوين تافياني الحاصل علي جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين "2012" الذي يتناول تجربة فريدة ورائعة يخوضها مجموعة من السجناء يشكلون فريقا مسرحيا داخل السجن ويلعبون أدوارهم كممثلين في مسرحية "يوليوس قيصر". يصور الفيلم شحنات المشاعر والانفعالات والأفكار التي تولدها شخصيات المسرحية التي أبدعها الشاعر الانجليزي الفذ وليام شكسبير في نفوس السجناء الذين يجسدون هذه الشخصيات. الفيلم بالأبيض والأسود ويعتمد علي طاقم من الممثلين لرجال السجناء فقط وعلي أسلوب فني يمزج التسجيلي بالروائي والمسرح السينما مثلما يجمع بين العبقرية السينمائية الممثلة في الأخوين تافياني باعتبارهما ضمن أفضل المخرجين في السينما الايطالية وبين ويليام شكسبير الكاتب المسرحي والشاعر الانجليزي الخالد. ومن الأفلام الرائعة الفيلم الفرنسي البلجيكي "الصدأ والعظم" للمخرج جاك أودبارد وبطولة ماريون كوتيارد ويحكي قصة الشاب "علي" البالغ من العمر 25سنة والمحبط عمليا بزواج فاشل خلف له طفلا صغيرا أصبح مسئولا عنه بالإضافة إلي حياة بلا عمل يضمن له حياة مستقرة. هذا الشاب يقع في هوي امرأة جميلة تعمل مدربة لأسماك الحيتان تتعرض لحادث مروع حين تهاجمها سمكة قرش وتفقد ساقيها. الفيلم شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان الأخير ويعتبر من أجمل قصص الحب والصراع والوحدة والألم وقد حقق نجاحاكبيرا جماهيريا ونقديا. أيضا البانوراما فيلم "الكشف عن الجاسوس" الذي رسح للأوسكار. الفيلم من إخراج توماس الفريديسون وتدور أحداثه خلال الحرب الباردة ويعتبر من نوعية أفلام التشويق والإثارة وحائز علي جائزة البافتا "BAFTA" البريطانية لأفضل سيناريو وأفضل فيلم مستقل في بريطانيا بالإضافة إلي جائزة النقاد بمهرجان دبلن السينمائي الدولي. ومن هولندا تعرض البانوراما فيلم "مسجل" 2012 إخراج ديبريك فلدروجين وهو من الأفلام التي رشحت للأوسكار وحائز علي جائزة البافتا لأفضل سيناريو وأفضل فيلم.. ومن هولندا أيضا تعرض البانوراما فيلم "الأطفال الشجعان لا يبكون" 2012 إخراج دنيس بوتس من نوعية الدراما العائلية. ومن البوسنة أيضا فيلم "أطفال سراييفو" 2012 انتاج ألمانيا وفرنسا وتركيا وإخراج ايدا بياتش. الفيلم يكشف عن الأوجاع النفسية والاجتماعية المروعة التي خلفتها الحرب مثلما يلقي الضوء علي القيم والمقومات الأخلاقية في أسلوب التعامل مع أبناء الذين فقدوا حياتهم في القتال.