الكل يهاجم النظام لاحتكاره السلطة .. المعارضة و المستقلون و الرأي عام بطبيعة الحال .. و لا أحد في الدنيا مع استئثار شخص ما أيا كانت قدراته و مكانته و عطائه لبلده بالسلطة تحت أي مسمى .. و إلى أجل غير غير مسمى . عام 1945 رفض البريطانيون التجديد لبطل انتصارات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية "ونستون تشرشل" .. لقد صوت الناخب البريطاني آنذاك لسياسي جديد آخر ليس له ذات الرصيد الذي يملكه تشرشل و هو الزعيم العمالي "كليمنت أتلى" .. وبعد إعلان نتائج الانتخابات بهزيمة تشرشل توجه الأخير إلى قصر باكنجهام من أجل تقديم استقالته .. هذا هو الوعي الديمقراطي الذي نريده .. و نريده أن يكون ثقافة مجتمع و ليس ثقافة نخبة و حسب . المشكلة في مصر الآن أن ثقافة "التأبيد" .. أي تأبيد السلطة .. باتت سياقا عاما يبدأ من رأس النظام .. إلى القيادات الأقل في مؤسسات الدولة من وزراء و محافظين و رؤساء مدن و بلديات و كذلك رؤساء الأحزاب . و لم يشذ عن هذه الثقافة أية جماعة سياسية أو مهنية أخرى سواء كانت داخل المؤسسات الرسمية أو خارجها من أحزاب و نقابات و جمعيات مهنية أو ما شابه ذلك . فالأحزاب السياسية و على سبيل المثال ، تحكمها قيادات بلغت من العمر عتيا ، و ظلت على رأس الهياكل التنظيمية ما يقرب من ثلاثين عاما ، و لم تتغير إلا إذا غيبها الموت. ولئن كان حزب التجمع اليساري المصري ، قد حاول الخروج عن هذه القاعدة ، بانتخاب رفعت السعيد (72عاما) رئيسا للحزب ، خلفا ل خالد محي الدين (81 عاما) ، و الذي أعلن تخليه عن رئاسة الحزب طواعية ، فإن هذه التجربة لم تخرج عن ما هو مألوف ، إذ إنها استبدلت قيادة مسنة بأخرى مسنة أيضا ، فيما ظل ملف التجديد مغلقا إلى أجل غير مسمى ، فضلا عن أنه تغيير شكلي ، حيث تقرر أن يظل محي الدين رئيسا شرفيا للحزب مدى الحياة !! ، فضلا عن ثقافة أخرى مشابهة وهي "ثقافة التوريث"، والتي باتت آلياتها تخترق المهن السياسية من جهة و في مقدمتها رأس النظام ومهن المكانة الاجتماعية من جهة أخرى مثل القضاء والنيابة العامة والشرطة والصحافة و الخارجية و الجامعات ، إذ يحرص كل من يعمل في تلك الجهات ، على تمهيد الطريق لأبنائه ليرثوا مهنته بها من بعده ، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية (مثل الصراع على الخلافة بحزب الوفد بين عائلة سراج الدين و قيادات من خارجها، ومثله بحزب العمل عندما تصدت مجموعة عادل و مجدي حسين على فكرة توريث الحزب لعائلة إبراهيم شكري). و لم تنجو من هذه العدوى إلا جماعة الإخوان المسلمين لأسباب تحتاج إلى مقال آخر رغم بعض التفسيرات التي حاولت أن تعزو تصعيد مأمون الهضيبي مرشدا عاما للجماعة ، إلى "شرعية القرابة" التي تربطه بالمرشد الثاني للجماعة الشيخ حسن الهضيبي رحمه الله تعالى. ما نريد قوله إن ثمة مشكلة بالغة التعقيد تتعلق ب"إرداة التغيير" سواء في رأس النظام او عند القوى التي تتصدر العمل العام في مصر .. ليس ثمة رغبة حقيقية عند الجميع في الاصلاح .. لأن اختبار صدق هذه الرغبة لا زالت حتى الان نتائجها تشير إلى إنه "مفيش فائدة" طالما ظلت القيادات المسنة تعض بالنواجذ على "السلطة" رافضة أن تعطي الأجيال الجديدة فرصتها .. و طالما انتقدت "توريث الحكم" الذي تجري سيناريوهاته الأن على قدم و ساق .. فيما هي تحله لنفسها سرا و أحيانا .. بلا حياء علانية ! [email protected]