قالت الخبيرة في الشأن المصري لدى المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية في هامبورج (GIGA)، يانا فاركوتش، إن التضييق على المؤسسات السياسية يمثّل جانبا من حملة كبيرة من القمع ضد كل أشكال المعارضة في مصر. وأضافت الخبيرة الألمانية في حديث مع «DW»، أن القمع والتضييق "يشمل المنظمات الوطنية، والأحزاب السياسية، والحركات الاحتجاجية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأجنبية التي تدعمها". وأردفت تعليقاً على مغادرة مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية مصر بعد سلسة مضايقات، أنه منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة، هناك استياء كبير من التدخل الغربي في الشؤون المصرية. وقال التقرير الذي نشرته «DW» الذي يناقش التضييق الحكومي على المؤسسات الأجنبية في مصر، أنه لا تزال السلطات المصرية تمارس سياسة التضييق على عمل مؤسسات التثقيف السياسي الأجنبية داخل مصر. واضطرت مؤسسة فريدريش ناومان المقربة من الحزب الديمقراطي الحر الألماني، إلى إغلاق مكتبها في القاهرة، وفي وقت سابق نقلت المؤسسة الألمانية مقرها الرئيسي فى الشرق الأوسط من القاهرة إلى العاصمة الأردنية عمان، بعد حظر فعلي لعملها من قبل السلطات في القاهرة. وتلقي هذه القضية الضوء على العلاقات المتوترة أصلا بين القاهرةوبرلين، وعلى استمرار تدهور حرية التعبير والتضييق على الأصوات المعارضة في مصر. ووصفت المؤسسة الألمانية التضييق الذي مورس على أنشطتها بأنه يدخل في إطار "إجراء جديد للحكومة المصرية لمنع حوار مجتمعي وتعددي منفتح". وعبرت مؤسسة فريدريش ناومان عن أسفها ل"عدم التوصل إلى حل للنزاع عبر القنوات الدبلوماسية". الدبلوماسية تمثلت في قيام وزارة الخارجية الألمانية يوم الخميس 12 مايو باستدعاء السفير المصري فى برلين بدر عبد العاطي، لإبلاغه بعدم تفهم ألمانيا موقف مصر من النزاع بين مؤسسة فريدريش ناومان والحكومة المصرية. وقالت وزراة الخارجية الألمانية إن مؤسسة فريدريش ناومان "تقوم بعمل مهم في البلدان، التي تنشط داخلها"، مضيفة أن عمل المؤسسة "يجب أن يبقى ممكناً حتى في بيئة يتزايد فيها الضغط السياسي على المجتمع المدني". دعم للمنظمات غير الحكومية منذ سنوات والضغوط على المؤسسات الأجنبية في مصر تتزايد، ومنذ عقود تنشط مؤسسة فريدريش ناومان وغيرها من المنظمات الألمانية والدولية في مصر من أجل تعزيز دور المجتمع المدني ودعمه، عبر تنظيم ندوات ومؤتمرات وحلقات دراسية، إضافة إلى تشجيع المنظمات غير الحكومية هناك. نشاط المؤسسات الألمانية تواصل أيضاً بعد سقوط حسني مبارك في أوائل عام 2011، لكن أعقب ذلك قيام السلطات بفرض شروط صارمة على المؤسسات غير الحكومية المصرية والأجنبية، للحصول على تصاريح العمل على الأراضي المصرية. وفي حال عدم استجابة المؤسسات لتلك الشروط تسحب منها تصاريح العمل، غير أن المؤسسات غير الحكومية أصرت على الدفاع عن استقلاليتها. وبالنسبة للمؤسسات غير الحكومية الألمانية فإن كل المحاولات لتسهيل عملها من خلال اتفاقية شراكة مصرية ألمانية على أساس قانوني جديد باءت بالفشل حتى الآن. تضييق غير مقنع على المؤسسات الألمانية وفي خضم الصراع المتصاعد بين الحكومة والمؤسسات الأجنبية، أصدرت محاكم مصرية عام 2013 أحكاماً تدين أكثر من 40 موظفاً أوروبيا وموظفين في منظمات أمريكية يعملون على الأراضي المصرية. واتهمت المحاكم الموظفين ب"عدم امتلاك تراخيص للعمل"، كما أنهم "يقدمون أموالا بشكل غير قانوني للمنظمات المصرية". ومن بين الذين شملتهم تلك الاتهامات موظفين تابعين لمؤسسة كونراد أديناور، التابعة لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، ما أرغم المؤسسة على تجميد أنشطتها في مصر. غير أن مؤسسة فريدريش إيبرت، القريبة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أعلنت في موقعها الرسمي في الإنترنت عن تنظيم أنشطة لها في مصر خلال العام الجاري. وفي نهاية عام 2014 فرضت الحكومة حظراً على جميع الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة فريدريش ناومان، ولهذا السبب نقلت مكتبها الإقليمي إلى العاصمة الأردنية عمان، لكنها احتفظت بمكتب اتصال صغير في القاهرة للحفاظ على العلاقات والاتصالات المحلية، كما يوضح ل DW رئيس مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة فريدريش ناومان، رينيه كلاف. احتفظت المؤسسة بفريق عمل صغير من الموظفين المصريين في مكتبها الصغير "وهو ما لم تعارضه السلطات المصرية في البداية". لكن الوضع سيتغير "بعد تقليل أعضاء الفريق إلى موظفين اثنين فقط"، يضيف رينيه كلاف. بعدها وصلت المؤسسة أوامر تدعوها لمغادرة البلاد "دون أن نعرف ما هو السبب المحدد لهذا التغيير في الرأي"، يقول رئيس مكتب الشرق الأوسط، لدى مؤسسة فريدريش ناومان. ويشكو كلاف من أن "التثقيف السياسي أصبح مستحيلا تماماً"، مضيفا أن العمل في مصر ممكن فقط "على أساس من التوافق مع البلد المضيف"، وفي انتظار حدوث ذلك التوافق "يجب أن نبقى مكتوفي الأيدي" يوضح كلاف. الجانب المصري يحمل برلين المسؤولية ! وتحمل الحكومة برلين مسؤولية عدم التوصل إلى أي اتفاق حول الأساس القانوني لعمل المؤسسة الألمانية على أراضيها. وتقول إن القاهرة قدمت عدة مقترحات لحل المشكلة نقلتها السفارة المصرية في برلين إلى الجانب الألماني، لكن برلين لم تستجب. لكن رينيه كلاف له رأي آخر، حيث يقول: "الجانب المصري يدعي أنه يريد خلق الظروف الملائمة لعمل المؤسسة، ولكن السلطات المصرية لا تقوم بأي شيء على أرض الواقع". وأثنى رئيس مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة فريدريش ناومان على دخول الحكومة الاتحادية على الخط ودعمها للمؤسسة، والسعي لمعالجة القضية عبر القنوات الدبلوماسية واستدعاء السفير المصري.