تعالت الأصوات الشبابية المنادية بالتحرك السريع لإنقاذ الثورة، التى تمثل للقوى الشبابية حلمًا وأملاً طالما داعب عقولهم وخيالهم رغبة فى بناء وطن به مقومات الدول الحديثة.. ومع ارتباك القوى الشعبية الكبرى فى التفاعل مع المشهد الثورى، تحرك الكثير من هؤلاء الشباب الثائر إلى البحث عن بديل أكثر ثورية وأسرع حركة مع النقد العنيف للحركات الشعبية الكبرى وأخص التيار الإسلامى ككل وفى القلب منها جماعة الإخوان المسلمين. ولهؤلاء يمكن القول إن ثمة أمورًا يجب أن تكون فى الخلفية لأى تحرك ثورى لزيادة احتمالات نجاحه. الناس لا ينزلون إلى الميادين ويتفاعلون مع الثوار إلا بدافع.. وربما يكون هذا الدافع حدث ما أو بفعل تحرك كيان سياسى كبير-الإخوان- أو غيرهم. أما الحركة والتفاعل الحاصل الآن والمتكرر ما هو إلا نتاج الكتلة الثورية الشبابية فى معظمها مضاف إليها بعض الرموز، وهذه الكتلة مقتصرة على الميدان -أو العاصمة . هذه الكتلة الثورية الشبابية يقتصر إزعاجها للمجلس العسكرى على الشكل العام للحالة المصرية أمام الإعلام الخارجى.. وهو فى سبيل ذلك ينكل بها من حين لآخر مع الرجوع إلى الهدوء والاحتواء والاعتذار والعفو لمصالحة الخارج ولفض أى احتقان قد يحدث ويؤدى إلى تمديد الثورة إلى فئات أخرى. الشريك الآخر والأقوى فى الوصول إلى كتلة ثورية يمكن أن تمتد لتشمل مساحات أكبر هو الحركات الإسلامية، والتى يخشاها العسكر ويحاول احتواءها بطرق متنوعة ليس مجالا لذكرها.. بهدف إبعادها عن المشهد فى لحظات من الممكن أن تكون حاسمة . وطالما ابتعدت هذه القوى عن المشهد الثورى فأظن أنه من الصعب أن نصل إلى الكتلة الحرجة المؤثرة.. والتثويرية فى ذات الوقت. فهذه القوى تأثيرها ليس فقط فى كتله الكبيرة الصماء المنتشرة فى مساحات وأوساط أكبر من طاقة أى جهاز قمعى بل أيضا قادرة على تحريك دوائر أخرى محيطة بها وتابعة لها - كما حدث يوم 28 يناير حين انتقلت الثورة من ثلاث محافظات إلى كل محافظات مصر بفضل حركة هذه القوى - تحديدا الإخوان. أى حركة ثورية متخاصمة مع القوى الإسلامية الرئيسية يصعب أن تصل إلى الكتلة الحرجة التى تستطيع الحسم بعيدا عن الضغط الإعلامى بمعنى أن الكتلة الحرجة هذه تستطيع الحسم الفعلى على الأرض وليس بالضغط الإعلامى مدعومًا بالرأى العام الخارجى . لنتذكر أن الحسم الثورى الأولى كان ذاتيا فقد خارت قوى الأمن وانهزمت أمام جموع الشعب التى تستعصى على أى جهاز قمعى مهما تجاوز واستخدم القتل والتنكيل . بنظرة إلى واقع هذه القوى - إخوان وسلفيون -شباب السلفيين- تجد أن حيودها عن مسار الثورة يزداد باطراد مع مرور الوقت، نظرا لنجاح العسكر فى احتواء المراكز المؤثرة فى هذه الحركات بوسائل متعددة ومتنوعة منها ما يرجع إلى طبيعة هذه الشخصيات -القيادية والمؤثرة - ومنا ما يرجع إلى موروثات وثقافة تأصلت فى بناء هذه الحركات.. إلا أن هذه الوسائل لم تستطع إحكام القبضة على العقل الجمعى للأتباع.. فمع كل حدث كبير ومنعطف هام للثورة يحاول القادة وكبار المشايخ الهروب من ضغط الشباب الذى يتصرف بفطرة سليمة عن طريق تشويه أطراف الحدث من الثوار وليس امتداح المجلس العسكرى.. مستخدمين بعض أخطاء شباب ملتصق بالثوار.. وأيضًا اعتبار الهجوم على القوى الإسلامية لتخاذلها بتصويره على أنه هجوم على الإسلام.. وبالتالى خلق عدو آخر يستثير حنق الاتباع ويوجهه بعيدا عن مدير دفة النظام السابق بمجلسه العسكرى وبقايا أجهزته الأمنية وفلول نظامه . إذا أردنا أن نحافظ على الحالة الثورية علينا التواصل بالأساس مع أتباع القوى الإسلامية خاصة شباب الإخوان دون الدخول فى أمور قد تستثير حفيظة هؤلاء. وهذا فى رأيى يؤدى إلى أمرين.. إما تحرك الكتلة الأنشط من الشباب ذاتيا كما يحدث فى كثير من الفاعليات.. وإما يحدث هذا الشباب ضغطا داخليا يدفع قادة هذه الحركات والأحزاب للمسارعة فى المشاركة والانحياز للثوار وألا تصدع كتلتهم الصماء وضعفها . وعلى كل رغم كل هذا الجهد من توحيد وتجميع وتوافق فإن الوصول إلى الكتلة الحرجة التى تحسم ذاتيا من دون انتظار ضغوط من خارجها لن يحدث بنفس اليسر التى حدث به من قبل إلا بوجود حدث فارق وقوى يجمع القوى الثورية الحقيقية ويجعلها تصطف حفاظا على بقائها وأمنها قبل حفاظها على نجاح ثورتها. وأخيرا يمكن القول إن للثورة المصرية جناحين إذا أصاب أحدهما الإعياء ربما أثر على كفاءة طيرانها.. وهما الحركات الإسلامية بظهيرها الشعبى الواسع وكتلتها الصماء الضخمة والحركات المدنية الشبابية، والتى تعطى للثورة بعدا حضاريا وتجعلها أكثر قبولا على المستوى الدولى، وأيضا تجعل فرص إنتاج نموذج متوازن للدولة كبيرة جدا.