نشر الإعلامى الساخر باسم يوسف، جزءًا من مذكرات الرئيس الراحل محمد نجيب، والذي يتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بالتخلي عن الديمقراطية، والتحالف مع مجلس قيادة الثورة ضده طمعًا فى مكاسب حزبية. وقال "نجيب"، فى مذكراته، إنه بالرغم من تعاطفه مع الإخوان، إلا أنهم تحالفوا ضده مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، طمعًا فى أن يكونوا حزب الثورة، فإذا بعبد الناصر يستغلهم في ضربه وفي ضرب الديمقراطية. وأضاف: "إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية، هي إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السياسية والمدنية، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد، وأنه لا يفرق في هذه الحالة بين وفدي وسعدي ولا بين إخواني وشيوعي، وأن كل قوة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يقضى عليها.. لكن لا الإخوان عرفوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه ودفع الجميع الثمن". وعلق "باسم" على مذكرات نجيب قائلًا: "نفس أخطاء الإخوان في 54 هي اللي عملوها بعديها بستين سنة، أنا مش عارف لو ده فعلا جزء من كتاب محمد نجيب ولا لا بس الوقائع التاريخية دي صحيحة سواء كتبها هو أو غيره، نفس الانبطاح للجيش اللي حصل والاعتقاد إنك أذكى من الجميع وإنك حتحطهم في جيبك وبعدين بتكون أنت أول الضحايا والباقي بيتاخد وراك، شيء محزن".
وجاءت نص مذكرات "نجيب" التى نشرها باسم يوسف كما يلى: من كتاب كنت رئيساً لمصر للرئيس الراحل محمد نجيب: العبارة الأخيرة التي قالها فاروق لي: "ليس من السهل حكم مصر" ساعتها كنت اتصور أننا سنواجه كل ما نواجه من صعوبات الحكم باللجوء للشعب، لكنني الآن أدرك ان فاروق كان يعنى شيئا اخر ... لا أتصور أن احدا من اللذين حكموا مصر أدركوه، وهو أن الجماهير التي ترفع الحاكم الى سابع سماء هي التي تنزل به الى سابع أرض ... لكن .......... لا أحد يتعلم الدرس. ………………………………….... ما أقسى المقارنة بيني وبين فاروق عند لحظات النهاية والوداع ... ودعناه بالاحترام وودعوني بالاهانة ... ودعناه بالسلام الملكي والموسيقى ... وودعوني بالاعتقال والصمت. لقد قتلت الثورة كل معايير التعامل مع البشر ... الذين قاموا بها طحنتهم ... والذين نافقوها رفعتهم ... وتعجبت ………………………………….... كانت مشاعري معهم ... مع الإخوان ... رغم أنهم تخلوا عني و عن الديموقراطية و رفضوا أن يقفوا في وجه عبد الناصر إبان أزمة مارس ، بل وقفوا معه و ساندوه ، بعد أن اعتقدوا خطأ أنهم سيصبحون حزب الثورة ، و أنهم سيضحكون على عبد الناصر و يطوونه تحتهم ... فإذا بعبد الناصر يستغلهم في ضربي و في ضرب الديموقراطية و في تحقيق شعبية له ، بعد حادث المنشية. إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية ، هي إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتما سيطيح بكل القوى السياسية و المدنية ، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد ، و أنه لا يفرق في هذه الحالة بين وفدي و سعدي و لا بين إخواني و شيوعي ، وأن كل قوة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يقضى عليها … لكن ... لا الإخوان عرفوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه ... ودفع الجميع الثمن. ودفعته مصر أيضا ... دفعته من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها ... فالسلطة العسكرية أو الديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيما آخر ، ولا كلمة واحدة ، ولا نفساً ولا حركة ، ولا تتسع الأرض إلا لها ولا أحد غيرها .... كان حزني شديداً على عبد القادر عودة ( قيادي اخواني ) الذي صعد درجات المشنقة شجاعاً ، وتذكرت يوم استدعيته قبل ذلك بشهور في شرفة القصر الجمهوري بعابدين ليطل معي على أنصاره في الميدان ، ويطلب منهم الإنصراف بهدوء بعد أن قلت لهم أن عودتي هي عودة الحياة البرلمانية وأن المسئولين عن جراحهم سوف يحاسبون. والتحول من العمل الجماهيري الى الارهاب أعطى دلالة بالغة على فقدان الثقة في الشعب وهو ما سقطت فيه قيادات الاخوان المسلمين. ولم يدفع الاخوان وحدهم الثمن ... دفعها شباب مصر ، ورجاله ا، ودفعه أيضا أبنائي فالإرهاب يولد ارهاباً ... والدم يفجر الدم ... والقسوة تعشق القسوة ... والدكتاتورية العسكرية لا تحكم الا بدولة المخابرات فثمن البقاء في السلطة كان دائماً دماء أبناء مصر وخيرة شبابها… وكان ابني فاروق أحد هؤلاء الشباب.. تعذب فاروق وهو صبي نفسياً ، وتعذب جسمانيا وهو شاب ورجل.. فعندما جئنا الى مُعتقل المرج ، جاء اليّ (ابني) فاروق ليسألني في اهتمام شديد : - أبي هل صحيح أنك كنت أول رئيساً للجمهورية؟ وتعجبت للسؤال … لكني ابتسمت لفاروق ، وداعبته ، وقلت له : نعم يا بني … لكن ما يجعلك تسأل هذا السؤال ؟ هذا تاريخ مضى وانقضى … ولمحت دموعاً في عيني الصبيّ ، وهو يقدم لي كتاباً في المطالعة ، جاءت فيه هذه العبارة : وجمال عبد الناصر هو أول رئيس للجمهورية رُفعت اسمي من كافة الكتب … شطبوا اسمي من التاريخ! كأنني كذبة أو خُرافة أو إشاعة … هكذا يزيف التاريخ ببساطة … وهكذا يتعلم الأولاد الكذب … وعندما أصبح فاروق شاباً أُعتقل بتهمة الإعتداء على النظام وبسبه ، ودخل ليمان طرة مع المعتقلين السياسيين ، وبقي هناك خمسة أشهر ونصف … خرج بعدها محطماً ومريضاً بالقلب … وبعدها بفترة قليلة مات … مات من الغم والقسوة والقرف. وقبل ذلك بعام واحد ، قُتل ابني الثاني …. عَلِيّ …. في ألمانياالغربية … ونقل جثمانه من ألمانيا الى مصر … ودُفن ، دون أن يُسمح لي باستقبال نعشه ، أو قراءة الفاتحة على قبره. أما ابني الثالث يوسف …. لم يجد ما يفعل سوى أن يعمل على سيارة أجرة (تاكسي) بالضواحي! ابني الأكبر مات مقتولا ... الثاني مات بعد اعتقاله .... الثالث فصل من عمله بقرار جمهوري سمعت خبر موتي بأُذُني في اذاعات العالم نقلاً عن مصادر مطلعة في القاهرة. ………………………………….... وقوة عبد الناصر في شخصيته ، وشخصيته من النوع الذي يتكيف ويتغير حسب الظروف ، فهو مرة مع الشيوعيين ، ومرة مع الإخوان ، وعشرات المرات ضد الجميع ومع نفسه. ………………………………….... ( تم نقل محمد نجيب من مكان إقامته الى نجع حمادي بعد أن تأكدت الأخبار بوقوع العدوان الثلاثي سنة 1956 ) فوجئت بحضور ضابطين من البوليس الحربي لينقلاني الى مكان آخر لم أعرف الى أين … ولم يقولا لي !! وعندما سألتهما … كان الرد بشعاً … أعتذر عن ذكره … وأشعر بالقئ كلما تذكرته … كان الجواب سيلاً من الشتائم ، حاولت وقفه بصرخة احتجاج ، فإذا بضابط منهما يدفع يده في صدري ويلكزني فيه … ودارت بي الدنيا … وهانت علي الحياة … وهممت بالهجوم عليه ( تعليق : محمد نجيب مواليد 1901 ) لكن أيدي الجنود حالت بيني وبينه. وساعتها أدركت ماذا فعلت حركة يوليو 1952 في مصر ... كيف أزالت الاحترام بدلًا من الفوارق بين الطبقات … كيف أطاحت بالكرامة في الوقت الذي كانت تقول فيه "ارفع رأسك يا أخي" … أي تغيير وقع في مصر ... أي انهيار حدث في تقاليد الجيش؟ ………………………………….... ( رسالة محمد نجيب الى جيلنا والأجيال القادمة ) لا أمل أن يتقدم (الشعب) ، سوى بالديمقراطية الحرية قبل الخبز أحياناً الديمقراطية قبل العدالة الاجتماعية أحياناً وقد دفعت أنا ثمن هذه الكلمة الخالدة "الديمقراطية" ودفع الشعب ثمنها أيضاّ … ولكني الآن لا أستطيع ان افعل المزيد ، فقد هدتني الشيخوخة واقعدتني ، وحاصرتني أمراضها ، وأصبح على أن انتظر لقاء ربي بين لحظة وأخري ... لكن ... الشعوب التي تعوض شيخوختها بشبابها وماضيها بمستقبلها ، تملك الفرصة الذهبية في تغيير واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ( رحل الرئيس محمد نجيب في أغسطس 1984 ) أحيوا ذكرى هذا الرجل الذي ظُلِم حياً وميتاً تعقيب: - إن بشاعة الظلم الذي تعرض له محمد نجيب جعلته يسأل في كتابه اذا كان هذا يحدث معه فما هو حال المصريين العاديين الذين لم يكونوا رؤساءً لمصر؟! - ينبهنا محمد نجيب في كتابه لأخطار الفكر السياسي الديني - الذي تزعمه الاخوان وقتها - وخطورته ... كما ينبهنا الى شراسة الحكم العسكري. من الغريب أن نجيب قدم استقالته لمجلس قيادة الثورة أكثر من مرة ومع ذلك رفض الضباط الأحرار قبولها! فلماذا عزلوه؟ ولماذا قضى من سنة 1954 الى 1984 محتجزاً بطريقة أو بأخرى؟! - التاريخ يعيد نفسه بوقاحة !! ربما تختلف بعض التفاصيل ، ولكن لا يزال التشابه مذهل! والسؤال كيف لا نتعلم الدرس حتى الآن وقد انقضى على وفاة نجيب 30 عاماً!! كيف للاخوان أن يصدقوا أنهم ظلموا وهم يرتكبون نفس الأخطاء والجرائم منذ عقود !! كيف وثق شباب الاخوان في قياداتهم وهم ينقلون بالمسطرة أخطاء وجرائم لم يمض عليها قرنٌ من الزمان ؟! كيف للناس أن تبايع فاشية عسكرية وقد رأت بأم أعينها النتائج !! اذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ، فالحقيقة أن حالنا بائس وبشدة!! - مع ذلك لم يفقد نجيب الأمل في أن يقرأ كتابه جيل لم يراه بعد ، وهو جيلنا ، اذ توُفي نجيب عام 1984. لقد وجه لنا في هذا الكتاب - الذي أرى في رأيي أنه من أهم الكتب التاريخية المصرية - رسائل لكي ننهض ببلادنا بعيداً عن كل أشكال الفاشية ... والتي يعترف بأنه ساهم في ظهورها وانتصارها ... كما أنه قدم لنا أسرار انفصالنا عن السودان وذكر أيضاً قناعته بانقسام السودان بعد انفصالنا عنه! هذا الكتاب سوف يجعل القارئ يتساءل: من هو الوطني فعلاً ومن الخائن ؟! ولن تجدوا أبداً إجابة سهلة !