المكان "العتبة"، الزمان فجر يوم الثلاثاء الماضي، استيقظت القاهرة على خبر مفجع، ألسنة النيران تلتهم أعدادًا من أكشاك الملابس بأسواق الرويعي، لتمتد إلى فندق "الأندلس" وعدد من المحال التجارية والمخازن. 18 ساعة متواصلة حاول فيها رجال الإنقاذ المدني، إخماد هذه النيران التي قضت على ما يقرب من 40 مليون جنيه قيمة البضائع التي التهمتها نيران الحريق، فيما يرجح أن تصل التقديرات النهائية لحجم الخسائر جراء هذا الحادث المفجع إلى مليار جنيه، بحسب التصريحات الحكومية. "رماد أقمشة.. أحذية.. دفاتر حسابات.. قطع من الملابس على أبواب بعض المحلات المتفحمة"، هذا ما خلفه حريق العتبة، تزامنا مع قدوم شهر رمضان، الذي يعتبره باعة "العتبة" موسمًا تجاريًا ينتظرونه بفارغ الصبر لتعويض حالة الركود خلال أيام السنة نظرًا لارتفاع الأسعار وانخفاض دخول المواطنين. محمد أنور، ذلك الشاب العشريني، يقف على أعتاب محل عمه الكائن في أول دور من عقار يضم 6 طوابق حوت بداخلها ما جمعه صاحب المحل طوال 35 عاما، منذ أن بدأ العمل بمنطقة العتبة إلى استطاع التوسع فى تجارته ومجموعة محلاته والتي يعمل بها 25 عاملا بواقع 25 أسرة مصدر رزقها الوحيد مجموعة محلات الحدايد والبويات التي يعمل بها "محمد". وقال "محمد": "حسبى الله ونعم الوكيل.. النار ساوت بضاعة ب6 ملايين جنيه بالأرض.. لم يتبق منها سوى أجولة جمع فيها ما خلفه الحريق من خردة"، مضيفا: "هنكمل ونقف تاني.. المحل فاتح بيوت ناس كتير وبقاله 35 سنة، وملناش مطالب غير أننا ناكل ونشرب بس"، بحسب تعبيره. على بعد أمتار وبين ركام البضائع التي تحولت إلى تلال من الرماد، وبقايا محال الملابس والأحذية، يجلس "هانى" أمام باب محله المحترق بعينين يملؤهما الاستسلام وضياع الأمل فى إصلاح ما أفسدته النيران وفى تعويض بضاعة المحل التي تتجاوز المليون جنيه، وتشرد ما يزيد عن 10 أسر مصدر دخلها محل الأحذية الذي يمتلكه هاني. ولم يستبعد "هاني"، أن يتكرر الحريق مرة أخرى بالمنطقة، مؤكدا أن هذا الحريق مدبر وتم بفعل فاعل من مصلحته أن تعم الفوضى وأن يسود الخراب في البلاد، مطالبًا المساعدة المعنوية من المواطنين، والنزول للشراء من البائعين المتضررين حتى يتمكنوا من الوقوف مرة أخرى وتعويض ما حل بهم من خسائر فادحة. في الجهة المقابلة بشارع الجيش الكائن بمنطقة العتبة، يتفقد رجل بالعقد الخمسين يدعى"على"، حالة محل الأحذية والذي يعمل به، منذ عشرات السنوات، متلفتًا بنظرات حائرة لما لحق بهم من ضرر جسيم آل بتشريد 6 أسر يعمل أصحابها بالمحل. بكلمات متهجدة: "مطالبنا لا تستطيع عليها الحكومة"، متسائلا: "هل تستطيع الحكومة استعادة هذا المحل وإصلاح ما أفسده الحريق؟ هل تستطيع الحكومة وضع بضائع بقيمة مليون ونصف؟ هل تستطيع الحكومة تعويض العمال المتضررين من توقف المحل بعد حريقه منذ خمسة أيام؟ واختتم "على" حديثه: يجب على الحكومة النزول على الأرض لتقدير حجم الخسائر التي حلت بنا، وتعويضهم التعويض الملائم تجنبا لغضب الناس. يجلس "شريف فوزي"، صاحب عدد من محلات الأحذية، وأشقاؤه الثلاثة، الذين خسروا محلاتهم الأربعة، على كرسي يخرج ما ألم بهم من فاجعة وضياع رأس مالهم، بدخان سيجارة يشعلها. وتساءل "شريف"، من له مصلحة في خراب مئات البيوت؟ مضيفا: "ما شهدته منطقة العتبة في الأيام الماضية أقذر أنواع الإرهاب، تكبدنا خسارة ما يقرب من ال 2 مليون جنيه في محل واحد من مجموعة المحلات التي نمتلكها، أكثر من مائة عامل يتكفل بالإنفاق على أسرهم". واستنكر شريف فوزي، قيمة التعويضات التي تحدثت عنها الحكومة والتي تبلغ قيمتها 5 آلاف جنيه، قائلا: "5 آلاف جنيه قيمة فاتورة كهرباء محل واحد أدفعها شهريا، ما حدث لنا موت وخراب ديار". بلهجة غاضبة، ناشد "شريف" صاحب مجموعة المحال المحترقة، الرئيس السيسي: "مينفعش تسيبنا كده الشعب المصري كله وقف خلفك.. لازم تشوف لينا حل". فى دراسة أجراها أحد الباحثين بشأن حجم الخسائر المالية الناتجة عن الحرائق التي تقع سنوياً في مصر، حيث تتراوح مابين 11 و18 مليون جنيه، وهناك تقديرات أخرى بمقدار 28 مليون جنيه. وأشارت الدراسة إلى أن متوسط نشوب الحرائق في مصر يتركز في نحو 20 ألف حريق، وأن أكثر من 225 شخصا يلقى حتفه نتيجة هذه الحرائق، بينما يتراوح عدد المصابين ما بين 740 إلى 750 شخصاً من جراء تلك الحوادث. وجاءت القاهرة والإسكندرية والجيزة في صدارة المحافظات التي تتعرض للحرائق نظراً لوجود مناطق مزدحمة ومناطق صناعية إضافة إلى حرائق المنازل والمباني السكنية والمخازن والمحلات التجارية، وهي أعلى نسبة لاشتعال الحرائق وتبلغ نسبتها نحو 53 في المائة. وقالت إن نحو 50 في المائة من الحرائق تقع عن طريق الإهمال من العنصر البشري وإن نحو 110 جناية حريق بنسبة 29 في المائة وقعت في القاهرة و48 في المائة من حوادث الحريق المتعمد في الشهور الأربعة الأولى من العام تقع قبل جرد المخازن العامة بشهرين تقريباً. ورصدت الدراسة الشهور التي تقع فيها الغالبية العظمى من الحوادث وربطها بفصول السنة المتنوعة هي ثاني أشهر الصيف في المقدمة مايو ويونيو ويوليو وأغسطس وهي الأشهر الحارة سنوياً وأيضاً في مايو ويونيو شهور حصاد المحاصيل الزراعية والتي تكثر فيها الحرائق. شاهد الصور..