شهدت الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية خلال الأيام الماضية تراجعًا فى مواقف عدد من رؤساء تحرير بعض الصحف القومية والخاصة والحزبية، تجسد في عناوينها الفاترة، ولغتها التي اعتبرها الصحفيون التفافًا على قرارات الجمعية العمومية. المشهد الأول في الأول من مايو الجاري، اقتحمت قوات الأمن نقابة الصحفيين وألقت القبض على اثنين من أعضائها وهما الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا، بتهم محاولة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري وشكل الحكومة والانضمام إلى إحدى الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تبغي تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة من ممارسة عملها والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والترويج بالقول والكتابة للأغراض محل الاتهام الأول بأحد الطرق المعدة للتوزيع والطباعة وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام. الأمر الذي أشعل شرارة انتفاضة الصحفيين الذين دعوا إلى إضراب واعتصام بالنقابة، وعقد جمعية عمومية طارئة للرد على انتهاك قوات الأمن لنقابة الصحفيين، شارك فيهات آلاف الصحفيين وسط حصار أمني، لم يمنع الصحفيين الغاضبين من الانتفاض لكرامتهم، مرددين هتافات مناهضة لوزير الداخلية وقوات الأمن مع استمرار الاعتصام داخل النقابة حتى عقد الجمعية العمومية الطارئة، وإقالة وزير الداخلية. وكان مجلس النقابة عقد اجتماعًا مع رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة، قبل أن يخرج أعضاء المجلس برئاسة النقيب يحيى قلاش بقائمة مطالب كان على رأسها الإصرار على طلب إقالة وزير الداخلية، تقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا واضحا لجموع الصحفيين عن جريمة اقتحام بيت الصحفيين وما أعقبها من ملاحقة وحصار لمقرها، الإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين فى قضايا النشر. كما طالبت العمل على إصدار قوانين تجرم الاعتداء على النقابة أو اقتحامها، وإصدار قانون منع الحبس فى قضايا النشر، وإجراءات تتضمن: دعوة جميع الصحف المصرية والمواقع الإلكترونية لتثبيت لوجو "لا لحظر النشر.. لا لتقييد الصحافة"، والطعن رسميا على القرار، وطلب وضع ضوابط لقرار حظر النشر، ودعوة القنوات الفضائية لدرء الهجوم الضاري الذي يشن ضد الصحفيين بتوجيهات أمنية، ورفض التلويح بتوجيه اتهامات قانونية لنقيب الصحفيين باعتباره ممثلا منتخبا للجمعية العمومية، ومنع نشر اسم وزير الداخلية، والاكتفاء بنشر صورته "نيجاتيف" فقط وصولا لمنع نشر كل أخبار وزارة الداخلية حتى إقالة الوزير، ورفض تصريح الخارجية الأمريكية، ورفض أى تدخل أجنبي رسمي فى شأن الصحافة المصرية، ورفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لمحاسبة المسئولين عن حصار النقابة، وتسويد الصفحات الأولى بالصحف فى عدد الأحد المقبل وتثبيت "شارات سوداء". وطالبت الجمعية العمومية بتجديد الثقة فى مجلس النقابة حتى انتهاء الأزمة، وعقد مؤتمر عام بمقر النقابة مع بحث إضراب عام لجميع الصحفيين، دعوة كبار الكتاب للكتابة عن جريمة اقتحام النقابة فى مقالاتهم، ودعوة الصحفيين النواب لتقديم طلبات إحاطة واستجوابات حول الأزمة، واستمرار الاعتصام، وتشكيل لجنة من مجلس النقابة لإدارة الأزمة. وكان لافتًا أن جريدة "الأهرام" التي طالبت في افتتاحيتها في عددها الصادر الثلاثاء الماضي بإقالة وزير الداخلية على خلفية اقتحام ضباط الشرطة لمقر النقابة والقبض على صحفيين، وذلك دون إخطار نقابة الصحفيين، تراجعت عن انحيازها لموقف الصحفيين في تغطيتها لاجتماع الجمعية العمومية، متحدثة عن شرخ في جدار الجمعية. من جانبها، أبرزت جريدة "الشروق" مانشيت رئيسيًا يحمل عنوان "القلم يحاصر السلاح"، مع وضع صورة لوزير الداخلية "نيجاتيف"، وعناوين فرعية: "عمومية تاريخية للصحفيين تقر 18 قرارًا ضد اقتحام الداخلية لمقرها"، وطالبت بإقالة وزير الداخلية ، واعتذار رئاسة الجمهورية، والإفراج عن الصحفيين المحبوسين، وإصدار قوانين تجرم الاعتداء على النقابة واقتحامها. فيما جاء مانشيت "الوفد": "الصفعة.. عمومية الصحفيين تطالب بإقالة وزير الداخلية واعتذار الرئيس، والأمن يستخدم المسجلين والبلطجية لحصار النقابة وإرهاب الصحفيين"، فيما تصدرت جريدة اليوم السابع عناوين "18 قرارًا لعمومية الصحفيين على رأسها إقالة وزير الداخلية.. لا انهزام ولا انكسار.. حرية.. حرية". غير إنه لم تمض أيام على تنفيذ قرارات الجمعية العمومية، إلا وتراجع عدد من رؤساء الصحف القومية والخاصة عن قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين التى اتخذتها الأسبوع الماضي في أعقاب واقعة اقتحام قوات الأمن النقابة والقبض على اثنين من أعضائها. وأخذت بعض الصحف القومية والخاصة منحنى آخر، إذ أعلن عدد من هؤلاء تراجعهم عن مواقفهم في برامج "التوك شو" وفى الصحف، ودعا رئيس تحرير جريدة الأهرام محمد عبد الهادي علام، الصحفيين وحكماء المهنة إلى لقاء ما أسماه ب"الأسرة الصحفية"، ظهر غدٍ الأحد، بقاعة محمد حسنين هيكل بمبنى الأهرام. وأضاف فى بيان تم تعليقه داخل مؤسسة الأهرام، أن الاجتماع يأتى لبحث سبل الخروج من الأزمة الحالية التى تمر بها المهنة ونقابة الصحفيين فى علاقتها مع مؤسسات الدولة والرأي العام ومن أجل رأب الصداع فى جدار الأسرة الصحفية بسبب تطورات الأزمة. أما خالد صلاح، رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، وأحد المقربين من النظام، فقد خرج بعشرة لاءات في أزمة النقابة، معلنًا رفضه للعديد من قرارات الجمعية العمومية التي كان يفترض أن يبدأ تنفيذها اليوم السبت، على أن تسود جميع الصحف صفحاتها غداً الأحد. وقال صلاح في مقاله الذي تصدر صحيفة "اليوم السابع"، إنه يرفض ما أسماه توجيه الأحداث داخل النقابة، وأن يصور المشهد على أنه عداء لكل مؤسسات الدولة، أو أن تكون النقابة في خصومة مع الدولة أو مع الناس. وأعلن صلاح رفضه فى تحدٍ واضح لقرارات الجمعية العمومية، وفرض قرارات على النقابة ورؤساء التحرير دون مشاورة واتفاق جماعي، على حد قوله، كما أعلن رفضه إقحام اسم الرئيس عبد الفتاح السيسى فى القضية بدون علم رؤساء التحرير أو تصويت الجمعية العمومية، وتوسيع دائرة الصراع مع مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء. كما تبنى رواية الداخلية وأعلن رفضه لإيواء من أسماهم "الخارجين عن القانون" داخل النقابة وعدم احترام قرارات الضبط والإحضار، مطالبا بعدم السماح لجماعة الإخوان المسلمين ببث تليفزيوني مباشر من داخل النقابة، ولا بتصوير الصحفيين على أنهم فى معسكر العداء للدولة، لا لعدم احترام القانون فى حظر النشر.. وعلينا النضال لتعديل التشريعات. وفى سياق متصل، قال عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة "الشروق"، إن الحكومة وقعت فى العديد من الأخطاء، ودخلت فى معارك مجانية خاسرة، وأحرزت أهدافا صديقة فى مرماها، خسرت بمقتضاها النقابات المهنية التى تمثل قلب الطبقة الوسطى وقيادات الرأى العام المتمثلة فى المحامين والأطباء والصحفيين، مما جعلها تدفع الثمن. وأشار حسين، خلال مداخلة فى برنامج "على هوى مصر" الذي يقدمه الإعلامى خالد صلاح على قناة النهار، إلى أن الداخلية لم تنفذ عشرات قرارات الضبط والإحضار، وبعضها كان يخص بعض الزملاء الإعلاميين، فمن حق الداخلية أن تنفذ ولكن الصحفيين غاضبون من آلية التنفيذ. من جانبه، اعتبر محمود مسلم، رئيس تحرير جريدة "الوطن" أن الأزمة تكشفت عن سوء تقدير للموقف من قبل أجهزة الدولة، لكنه قال فى الوقت ذاته: "ألوم النقابة فى بعض المواقف، ولا أجد أى وقت للمحاسبة، فهناك خلل وتيار سياسي أخذ النقابة بعيدا عن دورها النقابي"، مشددا على رفضه للهجوم وتأجيج المشاعر ضد الصحفيين، قائلا: "من يلعب بالنار مخطئ وسيدفع الثمن". واقترح الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، تشكيل لجنة من الحكماء يشارك فيها شيوخ من النقابة ووزراء بالحكومة وأعضاء بمجلس النواب لنزع فتيل الأزمة، وقال: "لا بد من علاج سياسي على مستوى الدولة، من خلال إدارة سياسية للأزمة، ولا بد أيضا أن يمتلك المسئولون عن الداخلية الوعي السياسي لتجنب مثل هذه الأزمات". وشدد ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئيس تحرير جريدة الأخبار، فى مداخلة مع الإعلامي خيري رمضان ببرنامجه "ممكن" على قناة "سى بى سى"، على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو الأقدر على إنهاء الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، مؤكدًا ثقته فى أن تدخل رئيس الجمهورية سيكون كفيلا بإنهاء الأزمة تماما. وعن اقتراح احتجاب الصحف عن الصدور، قال رزق إن "الاحتجاب يبعث برسالة سلبية للخارج بوجود تدخل فى حرية الصحافة، وهو بمثابة عقاب للمواطن ويضر الصحفيين أيضًا لأنه يمنعهم من إبداء رأيهم". بدوره قال محمد شبانه، عضو مجلس نقابة الصحفيين، فى مداخلته مع البرنامج، إن دعوة الجمعية العمومية للصحفيين كان وراءها هدف واحد وصريح وهو رفض اقتحام وزارة الداخلية لمقر النقابة، والدفاع عن رمزية النقابة وهيبتها وقيمتها، وهو ما لن تسمح به النقابة". من جانبه، قال الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، خلال حواره مع برنامج "90 دقيقة" على فضائية المحور، أمس الجمعة، إن موقف الصحفيين ثابت ولن يتغير؛ لأن الصحفيين يقفون من أجل الحفاظ على مهنتهم واسترجاع حقوقهم، إلا أنه أعلن أن المطالبة بعزل وزير الداخلية ليست في يد الرئيس عبد الفتاح السيسي فقط، ولكن في يد مجلس النواب وفقاً للدستور الجديد، على حد تعبيره.