فريدة هي رحلة الإسراء والمعراج؛ فريدة في اسمها ورسمها وموقتها.. استثنائية في وجهتها الجغرافية ونبوءتها التاريخية.. متفردة في موقعها القرآني في مفتتح سورتي الإسراء والنجم بما لهما من طابع خاص ومذاق متفرد .. متجددة في غاياتها العلوية وتفاصيلها الدقيقة.. غنية بمعالم الإنسانية السامية وسقطات البشرية السفيهة، وهي تكشف عن معارض النفس الإنسانية التي تكاد لا تتناهى تجلياتها وملكاتها.. ارتقاء وهبوطا.. هي رحلة شيقة في طبيعتها ومناخها وشخوصها، لم تزدها لغتها المتحركة المتلاحقة المتسقة في سورة النجم إلا تألقا ونشاطا، ولم يزدها هدوء المطلع في سورة الإسراء إلا حيوية وتعمقا، وهو يلقي بظلال من الهيبة ويوحي بنعمة الرؤية «لنريه من آياتنا» الممتدة بصيرة وبصرا، زمانا ومكانا، حالا ومآلا، وينتقل بنا من أعماق الماضي إلى شواطيء المستقبل في لوحة متنقلة بين الجغرافيا والتاريخ... ثم هي مسلسل يمزج بين انطلاق قدرة الفاطر واستعداد المفطور؛ تتوالى فيها مشاهد النهاية في مجموعة بديعة من الصور المتناغمة في وضعها، المتغايرة في محتواها وإيماءاتها، تستعرض أحوال الإنسان صلاحا وفسادا، نعيما وعقابا، تقوم فيها الحروف بالمعاني نابضة ترسم لوحة إنسانية متكاملة أوحت للأدباء شرقا وغربا من بعد فكتبوا من وحي الفكرة مذكرات الغربة البشرية في أرض المهجر عن رحلة العودة، وهم يخطون سفر المصير الإنساني من خلال قراءات العقل الواعي على عجزه و الشعور المنطلق رغم قيده لأصداء الرحلة بعد أن تركت مساحات اليقين في قلوب الموحدين وألقت بظلال الهيبة في قلوب المترددين.. وهي رحلة نسبية، جمعت الأرض والسماء، والإنسان والملك، والإنسان الأول الذي اضطر إلى الهبوط من الجنة إلى الأرض والإنسان الأول الذي اختير للصعود من الأرض إلى الجنة، فيها يلتقي الماضي والمستقبل، وفوق ذلك كله تفصح مبكرا عن النسبية الزمانية —نسبية التاريخ، وعن النسبية المكانية —نسبية الجغرافيا، وعن نسبية الوجود الإنسان وما انطوى عليه من بدائع الخلق؛ ونسبية هذه المبدعات بين الانطلاق والتقييد، والبصر والعمى، والولوج والحجب، والقدرة والعجز، والإنسان على كل حال سائر بين النسبتين... ورحلة الإسراء والمعراج في عمق أعماقها هي قصة الإنسان في هذا الكون؛ مترعة بمعالي الكمالات النفسية والاستعدادات العلوية، ومجسدة لقوة الإيمان، وسمو الغاية، كما تتراءى في مشاهد الصلاة، والسلام، والزرع والحصاد المتجدد، ثم تستعرض أضداد هذه الصفات من سفاسف الانحرافات البشرية وغواشي قوى الشر.. فتعرض صورا مهولة للمغرمين بالخبيث من الكسب الحرام من أكلة الربا وأموال اليتامى والخبيث من اللذة الحرام في الزنا، والخبيث من الكلم المسموم في الفتن، وأشباه هؤلاء العصاة من المتثاقلين عن الصلاة، والباخلين بالزكاة، وآكلي لحوم البشر من أهل البهتان والغيبة،[i] فهي بلا ريب معرض ثري لتناقضات المهاجرين في أرض الغربة ترسمها مذكرات أول المهاجرين رواحا واعيا في رحلة العودة إلى المنبع..
[i] انظر: راجع ابن هشام، السيرة النبوية، د. عمر عبد السلام تدمري (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة: 1410/1990)، 2/55-56؛ ابن حجر (ت: 852 ه)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، (القاهرة: دار الريان، 1407/1987)، 7/240؛ ابن كثير (ت: 774ه)، تفسير القرآن العظيم، (بيروت: دار ابن حزم، 2000)، ص 1097-1098.
Dr. Muhammad Fawzy AbdelHay, Ph.D. Assistant Professor of Islamic Studies in English Faculty of Languages and Translation Al-Azhar University, Cairo.
Dr. Muhammad Fawzy AbdelHay, Ph.D. Assistant Professor of Islamic Studies in English Faculty of Languages and Translation Al-Azhar University, Cairo.