قبل أيام قليلة، من حلول الذكرى السنوية لثورة يناير 2011، زار الرئيس الصينى "شى جين بينغ" مصر، فى زيارة وصفت بالتاريخية، واعتبرت "تصويتًا بمنح الثقة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسى". احتفت القاهرة بالزيارة بشكل غير مسبوق، خاصة وأنها بحسب رويترز عبرت "عن دعم الصين لجهود مصر للحفاظ على الاستقرار والتى شملت حملة صارمة على المعارضة"! فى إشارة إلى أنها زيارة لدعم القمع، من خلال "استثمارات" كانت محل نقد واسع فى حينها.. إذ كان من بينها، إقامة مدينة ملاهى فى العاصمة الإدارية الجديدة.! الاحتفاء بلغ حد تلوين الآثار الفرعونية بالأقصر، بألوان مستقاة من الثقافة الصينية، وذلك قبيل زيارة "بينغ" للمدينة.. وفى إجراء أيضًا كان محل نقد جارح، إذ اعتبر ذلك ممارسة مهينة, فلا يجوز التنازل عن الثقافة الوطنية مجاملة لزائر أجنبى أيا ما كان اسمه ووزنه. المهم فى هذا السياق، أن "شى جين بينغ" قال فى مؤتمر صحفى مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن 32 شركة صينية تعمل حاليًا فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس وتستثمر أكثر من 400 مليون دولار.. مضيفًا أن عدد الشركات سيرتفع إلى 100 والاستثمارات إلى 2.5 مليار دولار فى المرحلة الثانية من المشروع. وغادر "شي" القاهرة، بعد أن اعتبرت زيارته، فتحًا صينيًا، سيجعل من مصر، جنات تجرى من تحت بنوكها أنهار البنكنوت.. وأنه سيجعل من منطقة قناة السويس، قبلة الاستثمارات الأولى فى منطقة الشرق الأوسط. المفاجأة كانت يوم أمس 20/4/2016، عندما كشفت صحيفة الصين اليومية الرسمية، بكين أنها ستحث شركات الملاحة على استخدام "الممر الشمالى الغربي" المار عبر القطب الشمالى الذى فتح بفضل التغير المناخي؛ لتقليل الزمن الذى تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسى والهادئ. وبحسب الصحيفة الصينية، فإن شأن استخدام الممر القطبى توفير الوقت والمال لشركات النقل البحرى الصينية، فعلى سبيل المثال تكون الرحلة البحرية من شنغهاى إلى ميناء هامبورج الألمانى عبر الممر الشمالى الغربى أقصر ب 2800 ميل بحرى عن الطريق المار عبر قناة السويس. ونقلت الصحيفة عن "ليو بينغفي"، الناطق باسم وزارة الملاحة البحرية الصينية قوله "عندما تعتاد السفن على استخدام هذا الطريق، سيغير ذلك وجه الملاحة التجارية العالمية مما سيكون له أثر كبير على التجارة العالمية والاقتصاد العالمى وتدفق رءوس الأموال واستغلال الموارد الطبيعية". ونقلت الصحيفة عن مسئول آخر قوله إن الطريق ستكون له منافع استراتيجية للصين، وأضاف "لقد استوعبت العديد من الدول القيمة المالية والاستراتيجية للممر القطبي، كما فعلت الصين". المدهش، أن السفارة المصرية فى بكين، كانت "نايمة فى العسل"، ولم تخطر القاهرة، بالمقدمات التى ظهرت فى العاصمة الصينية، بشأن هذا التحول الكبير والخطير، فلم تنتبه مثلاً إلى أن إدارة سلامة الملاحة الصينية كانت أصدرت فى وقت سابق من الشهر الحالى دليلاً يقع فى 356 صفحة باللغة الصينية يحتوى على تعليمات مفصلة للإبحار من الساحل الشمالى لأمريكا الشمالية إلى المحيط الهادئ الشمالي. من الصعب الادعاء بأن الصين خانت مصر.. أو أن الرئيس الصينى خان الرئيس المصري، لأن الدول ليست "جمعيات خيرية".. فهى تعمل لمصلحة شعوبها وحسب.. ولكن المؤلم أن السلطات المصرية، اندفعت فى اتجاه إهدار مدخرات المصريين فى توسعة قناة السويس "القناة الجديدة".. بدون أن تستشرف مستقبل التحولات فى الملاحة البحرية، وظلت فقط تحت تأثير البحث عن مشاريع عملاقة تعزز شرعية سلطة ما بعد 3 يوليو.. فيما لم يخطر على بالها جدواها الاقتصادية.. والنتيجة كما نرى، مأساة وبؤس يبعثان على الشفقة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.