دوري الكنائس.. هكذا يطلق عليه كما عرفوه الشباب القبطي دون غيرهم، لممارسة هوايتهم الرياضية المفضلة، والذي لم يعرف عنه أحد غيرهم من قبل، حتى أنه لم يخرج عن محيط الكنيسة المصرية وتعليماتها. يطرح هذا الدوري الذي تنظمه الكنيسة لأبنائها دون غيرهم عدة تساؤلات، أهمها.. لماذا يلجأ الأقباط لإقامة دوري خاص بهم بعيدًا عن المشاركة في الدوري العام المصري، هل هناك طائفية في التعامل معهم داخل المستطيل الأخضر من جانب المدربين المسلمين؟، أم أن الكنيسة تصنع دولتها الموازية؟. على مدار التاريخ الكروي المصري، لم يبرز من المسيحيين في البطولات العامة، إلا أعداد لا تتجاوز أصابع اليد، وفي هذا الصدد يقول عدد من خدم الكنائس،إن النشاط الكروي ل "أسقفية الشباب" التابعة للبطريركية المرقسية يعد أحد أكبر أنشطتها، سواء بين المراحل العمرية الصغيرة، أو في مراحل الشباب وما بعد الدراسة الثانوية، وبدأت الأسقفية تنظيم "دوري الكنائس لكرة القدم" سنوياً منذ 2002 وذلك خلال شهري أغسطس وسبتمبر. أحد خدام الكنائس، رفض ذكر اسمه، قال ل"هافينجتون بوست عربي" إن هناك دورياً لكل مرحلة عمرية (الابتدائية والإعدادية والثانوية) يتم بين الكنائس في الكنيسة الأم بكل محافظة (الأبرشية)، وهذا بخلاف فريق الشباب الذي يصعد في النهاية إلى دوري الكنائس العام. وذكر الخادم، أن العديد من الكنائس قامت بإنشاء ملاعب خاصة، ولاسيما في المحافظات، خصوصاً مع التكلفة العالية لتأجير الملاعب مع كثرة عدد الأندية، مشيراً إلى أن تلك الملاعب أصبحت قبلة لشباب الأقباط بكافة مراحلهم العمرية، إذ يشاركون في منافسات حماسية كما يحدث في الأندية وساحات اللعب الأخرى. هاني رمزي.. والحاجز نفسي هاني رمزي، أشهر مسيحي لعب كرة القدم بمصر، واللاعب الدولي السابق، يقول إن هناك 3 أسباب وراء ظاهرة غياب المسيحيين عن الملاعب: أولها أن هناك بالفعل سلوكاً متعصباً في قطاعات الناشئين، إذ ربما يتم استبعاد لاعب متميز لمجرد أنه مسيحي.. نادراً ما يحدث هذا الأمر لكنه ما زال موجوداً. والسبب الثاني هو نظرة الأهالي، الذين دائماً ما يبررون استبعاد ابنهم بأنه مسيحي، رغم أنه قد لا يكون موهوباً بالفعل، وهو ما ساعد على مضاعفة حجم الظاهرة السلبية. والسبب الثالث، حسب قوله، هو الحاجز النفسي الذي نشأ داخل الأسر المسيحية نتيجة تجارب سلبية وإن كانت قليلة، فأصبحت هناك بالفعل عائلات عديدة منغلقة على نفسها. وروى في هذا السياق موقفاً حدث معه عندما كان في ناشئي الأهلي في الثمانينيات، إذ ردد الكثيرون من المحيطين به أنه لن يكمل مسيرته في النادي لأنه مسيحي، ويقول "وبعد انقطاع 15 يوماً عن التدريب وجدت الكابتن أنور سلامة يبحث عني وأرسل لي صديقاً إلى منزلي وقال لي لا تستمع لهذا الحديث، وأكملت حتى وصلت إلى المنتخب". وذكر اللاعب الدولي السابق، أن هناك أندية في مصر يمتلكها أقباط، أشهرها نادي "الجونة" المملوك لرجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، ونادي "وادي دجلة" الذي يرأسه ماجد سامي، ويوضح "وأثناء عملي في نادي وادي دجلة لمست محاولة حثيثة لإتاحة الفرصة للموهبة أيا كانت ديانة صاحبها، وعندما وجدت شادي عهدي أعطيت له الفرصة". ذلك الشعور بالحاجز النفسي أكده سامى حكيم مدير أكاديمية نادي "وادى دجلة" ورئيس قطاع الناشئين الموهوبين سابقاً - وهو مسيحي- في تصريحات سابقة عن الظاهرة، حين قال "وجهة نظر أولياء أمور الأطفال المسيحيين المصريين لها أثر سلبي على مشاركات النشء في الرياضة، لأنهم ينقلون لأبنائهم الخوف من التعرض للاضطهاد ما يدفعهم للعزوف عن المشاركة، ونتيجة هذا الخوف هو أن نادياً مثل وادي دجلة وهو يعتبر من الأندية القبطية، ويضم نسبة ليست ضخمة من المسيحيين مقارنة بأعداد الرياضيين المسلمين. وهنا يقول جمال أسعد المفكر القبطي المعروف، إن هناك العديد من الممارسات الطائفية التي حدثت في فترات تاريخية تسببت في ظاهرة ما يعرف ب"الهجرة إلى الكنيسة"، في ظل تولد عوامل أشعرت الأقباط بأنهم أقلية عددية، زاد من تأجيج تلك الظاهرة ممارسة الكنيسة، وتكوينها لدولتها الخاصة، وتوسع دورها لممارسة أنشطة وأدوار سياسية. وأكد ل"هافينجتون بوست عربي"، أن أنشطة الكنيسة ساعدت في زيادة الانطواء المجتمعي للأقباط، وزادت من عزلته، وكرة القدم لعبة جماعية تبدأ بالحارة، وأغلبية الشعب يمارسها في الشارع، وعندما تكون هناك عزلة داخل الكنيسة، فإنهم ينعزلون عن الشعب ولا يمارسون اللعبة معهم، فأصبح وجود أحدهم في الأندية أمراً شاذاً زاد من رفض بعض الناس لوجودهم. وأشار أسعد، إلى أنه بعد ثورة 25 يناير 2011، كان هناك ظاهرة انفتاح من الأقباط على المجتمع، ولكن الانفتاح للأسف جاء بلغة طائفية، مطالباً أحياناً ب"كوتا قبطية" في البرلمان أو بأندية قبطية، أو بكيانات تمارس السياسة تحت مسمّيات قبطية.