إن تجديد الخطاب الدينى دون المساس بالثوابت وتنقية التراث الإسلامى هو عمل محمود, فليس من المنطق أن يقدم العقل على النقل فى فقه الأئمة الأربعة على السنة النبوية الصحيحة بل وعلى القرآن أحيانا فى تراثنا الإسلامى, فمثلا فى الفقه الحنفى فى مسألة هل للمرأة أن تزوج نفسها دون إذن أو موافقة وليها ؟ قد أفتى الإمام أبى حنيفة النعمان بحقها فى ذلك, بالرغم من وجود نصوص من الكتاب والسنة تتعارض مع هذا المبدأ, قال تعالى : (فإنكحوهن بإذن أهلهن) , وقال تعالى : (الرجال قوامون على النساء), فالرجال لهم الريادة على النساء فإذا لم يكن للرجال حق الريادة فى أمر زواج بناتهم وأخواتهم ففيم تكون الريادة والقوامه ؟؟؟ , وقال النبى صلى الله عليه وسلم : لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل , وقال النبى : أيما إمرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل, وقال النبى : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فكيف يكون الأب مسئولا عن إبنته فى المأكل والملبس والكسوة وليس له أى شأن فى زواج إبنته ؟؟؟ , ومع ذلك تصيغ الكثير من البلدان الاسلامية هذه الفتوى فى قوانين الأحوال الشخصية, مع أن هذه المسألة تتعارض مع رأى جمهور العلماء ومع السنة الصحيحة ومع النص القرآنى, ولنا أن نتخيل مدى الخلل الإجتماعى لو إتخذت نساء المسلمين عامة هذا الرأى فى تزويج بناتنا وأخواتنا لأنفسهن دون موافقة أهاليهن !!! بل كان رأى الأئمة الأربعة فى الأمور الفقهية عموما عند عامة الناس فى كثير من البلاد يكاد يكون من ثوابت الدين التى لا تقبل الطعن أو الإجتهاد, لذا كان التجديد وتنقية التراث أمرا حتميا بضوابط يقررها أهل العلم . ومن أمثلة التجديد أو التحريف, جاء فى كتاب الثقافة الاسلامية للصف الثالث الاعدادى بالمعاهد الازهرية الطبعة الأولى 2015- 2016, باب (علاقة القرآن بالكتب السابقة) صفحة 25-26, والكتاب من إعداد أساتذة من جامعة الأزهر وإشراف فضيلة الإمام شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب . والمؤلف يقول إن علاقة القرآن بالكتب السماوية السابقة هى : علاقة تأييد وتصديق لها وللرسل التى أنزلت عليهم . يا فضيلة شيخ الأزهر إن القرآن الكريم يلزمنا بالإيمان بالكتب التى أنزلها الله على الأنبياء, صحف إبراهيم على إبراهيم عليه السلام, والزبور على داوود عليه السلام, والتوراة على موسى عليه السلام, والإنجيل على عيسى عليه السلام, قال تعالى : (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) . والقرآن الكريم يبين علاقته إجمالا بالكتب السابقة, قال تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) ومعنى مهيمنا عليه : أى تقتضي بأن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة . والقرآن يلزمنا أيضا بأن نؤمن بأن الكتب السابقة نالها التحريف والزيادة والنقصان, فكيف نؤيدها ونصدق كل مافيها بعدما نالها التحريف . قال تعالى : ( يحرفون الكلم عن مواضعه) ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ( (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير) (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله) (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)(وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ) . يا فضيلة شيخ الأزهر كيف نؤيد ونصدق التوراة والإنجيل التى حاليا فى أيدى اليهود والنصارى وقد أثبت القرآن أن الإنجيل والتوراة كتب نالها التحريف ؟ كيف نصدق الكتب السابقة وقد أثبت الإنجيل صلب المسيح عليه السلام , وقد نفاها القرآن ؟ كيف وقد أثبت الإنجيل أن المسيح ابن الله, وقد نفاها القرآن ؟ كيف وقد أثبت الإنجيل أن المسيح هو الله , وقد نفاها القرآن ؟ كيف وقد أثبت الإنجيل الثالوت المقدس , وقد نفاها القرآن ؟ ولا يخفى على الناس بأن النصارى واليهود لا يؤمنون بأن القرآن الكريم هو كلام الله, فمن الضروري قبول الحقيقة الضمنية في إختلاف الأديان بعدم اعتراف أتباع أي دين بمصداقية كتب الأديان الأخري وإلا أصبح كل الناس على دين واحد . هذه عقيدتنا التى ندين بها لله يا فضيلة الإمام شيخ الأزهر, دون توافقات أو موائمات مع أصحاب الديانات الأخرى, وليس من مهام الأزهر الشريف تذويب الفوارق بين العقائد المختلفة ليعتقد أصحاب دين ما بصدق عقيدة الأديان الأخرى, فهذا محال , فالكل يعتز بعقيدته ولا يرجو لها بديلا . يا فضيلة شيخ الأزهر : أطالب فضيلتكم بتشكيل لجنة متخصصة لمراجعة كتاب الثقافة الاسلامية لما فيه من مخالفات تمس عقيدة المسلم الصحيحة وقد إختصر القائمون على إعداد هذا الكتاب إختصارا مخلا ومجافيا للأمانة العلمية الى حد التغرير بطلبة الأزهر الشريف الذين يفترض أن يكونوا حملة العلم بل وعلماء المستقبل فى الدعوة إلاسلامية وتدريس العلوم الشرعية لجميع دول العالم . حفظ الله مصر وشعبها وجيشها من كل سوء .