حلقة "العاشرة مساء" ليوم السبت 21 الجارى كانت مميزة بسبب الفقرة الثانية فيها، والتى استضافت ثلاثة من شباب الثورة النبلاء الذين اختفوا بعد 11 فبراير، ولم يصبحوا نجومًا ويتصدرون المشهد ويركبون موجة الشهرة كما فعل البعض حتى مللنا من وجوههم ومن خطابهم المستفز. التميز فى هذه الحلقة أن نرى ونستمع لثلاثة ممن وصفتهم زميلتنا منى الشاذلى بأنهم كانوا من المجاميع خلال الثورة، ولولا هذه المجاميع المليونية الرائعة لما كانت هناك ثورة ولما سقط النظام وظهورهم الآن يجعلنا نطمئن على أن صناع الثورة مازالوا موجودين وهم الحرس الحقيقى المخلص لها. نبرة الثلاثة وهم يتحدثون هادئة متوازنة موضوعية بحيث تتفاعل معهم ولا تمل منهم وتستشعر فى كلامهم العفوية والصدق والوطنية والحرص على البلد لو كانوا هم أصحاب القرار، بعكس الآخرين الذين يجعلونك تخشاهم وتفر منهم وتفضل المجلس العسكرى عليهم. عدد من الذين تصدروا المشهد جعلوا قطاعات من المصريين تكره الثورة والذين اختفوا من المشهد ثم ظهر ثلاثة منهم سيجعلون من يكفرون بالثورة يستعيدون إيمانهم بها، والفضائيات مطالبة بالبحث عنهم والإتيان بهم لتأكيد هذا الإيمان بدل هذا المضمون الغث الذى تمتلئ به الفقرات والبرامج. أنا ممن يرون أن الثورة فى أيامها ال 18 تمثل النبل فى أعلى وأسمى درجاته، وأظن أن المصريين كلهم يوافقوننى الرأى فى ذلك، وكل من ذهب يوما للتحرير خلال تلك الأيام المجيدة فإنه يقول نفس الكلام، لكن السؤال الذى يجرى على الألسن: ماذا جرى بعد 11 فبراير حتى تتآكل شعبية الثورة ويكاد بعض المصريين لا يكونوا سعداء ولا فرحين بها ، وهذا أمر خطير تسبب فيه نفر من المتطرفين من الشباب ومن الكبار الذين يستحوذون على المشهد ويمارسون التصعيد فى أقصى صوره مع الحكومة والمجلس العسكرى ومع كل ما تبقى من أجهزة الدولة. الثلاثة الذين ظهروا مع منى وهم: كريم الدجوى، ومحمود عبد الواحد، وإيهاب ثابت يعيدون للثورة نبلها المفقود وألقها الخافت وزخمها المتراجع. هؤلاء وغيرهم ممن خرجوا يوم 25 و28 يناير ليس من أجل السياسة ولا الكاميرات ولا المصالح ولا جلب أى منفعة لأنفسهم، إنما بدافع الوطنية الصادقة المجردة من أجل مصر أفضل، مصر التى يحلمون بها، مصر التى تراجعت وصارت بائسة مريضة منهوبة لا تدرى إلى أين تذهب، ولا ماذا تفعل مع أباطرة الفساد والتوريث وبيع البلد بالمتر والشبر. محمود وإيهاب من مصابى الثورة وهما يستحقان مع أمثالهما من المصابين الحقيقيين عيون مصر والمصريين لقاء ما قدماه فى أيامها الخالدة، أما الشهداء الذين ارتفعوا فى أيام الثورة فهم كانوا يدافعون عن قضية وطن وليسوا مستأجرين ولا عملاء ولا بلطجية ولا مجرمين ينفذون أدوارًا مشبوهة، هؤلاء هم الشهداء حقًا وهم يستحقون أن نزهوا بهم ونخلد ذكراهم وألا نبخل على أسرهم لا بالغالى ولا بالنفيس، وملف الشهداء والجرحى يحتاج إلى المراجعة الصارمة للفرز ما بين الشهيد والجريح الحقيقى الذى ضحى من أجل مصر دون انتظار الأجر وبين المزيفين والمدعين والانتهازيين الذين يستحلون مال الدولة الفقيرة التى تستدين من أجل توفير الطعام والشراب، الدولة التى يستحل البعض من أبنائها أى شىء يجدونه، استحلال من الأغنياء ومن الفقراء، كل يستحل على طريقته وكل له مبرراته الكاذبة. لا يمكن للصداميين الذين ركبوا قطار الثورة وحولوا أنفسهم إلى قادة لها أن يكونوا وجهها لأنهم شوهوا هذا الوجه النضر الجميل بدليل موجة التخويف والترهيب السائدة منذ أسابيع بمناسبة حلول الذكرى الأولى للثورة، فالبيانات والتصريحات لا تتوقف عما يمكن أن يحدث فى هذا اليوم من مظاهرات صاخبة واعتصامات واشتباكات ودماء قد تسيل وتخريب وتدمير وإسقاط لما تبقى من الدولة تحت ذريعة القيام بالثورة الثانية لتحقيق مطالب الثورة الأولى باعتبار أنها لم تحقق أهدافها، وهذا كلام غير صحيح. أليس مثلا البرلمان المنتخب يعد واحدًا من أهم أهداف الثورة؟، وأليس إسقاط مبارك ومنع التوريث هدفًا عظيمًا، فقد كنا يومًا نتمنى أن يستمر مبارك رئيسًا حتى آخر نفس فيه مقابل عدم توريث نجله، أو أن يكتفى بالفترة الخامسة ويترشح نجله لكن فى انتخابات تنافسية نزيهة . كنا وصلنا إلى مرحلة اليأس من التغيير، لكن اليوم لا يخرج مبارك وجمال من المشهد فقط، إنما نجدهما فى القفص، نعم حصل تباطؤ وارتباك من المجلس العسكرى وفشل من حكومة عصام شرف، لكن ذلك لا يعنى أن الثورة أخفقت بل هى تحقق أهدافها ولو ببطء. الإنصاف يقتضى القول إن كل الأطراف الفاعلة فى مصر شاركت فى خلق الأزمة وتعقيدها خلال هذا العام بدءًا من المجلس العسكرى المرتبك إلى حكومة شرف السابقة الضعيفة المهزوزة إلى الأحزاب والقوى السياسية المتناحرة على الوثوب للسلطة مرورًا بفئة من الثوار استمرأت التصعيد وبلوغ حافة الهاوية حتى لو كان فى ذلك انهيار تام للأوضاع فى بلد مأزوم وصولا إلى فئات أخرى من الشعب بالغت فى الاعتصامات الفئوية وفى ممارسة التخريب والتعطيل بقطع الطرق وإشعال الحرائق وتعطيل حياة ومصالح الناس. إنه أسوأ استخدام لقيمة الحرية. فهل نبدأ عامًا ثانيًا من الثورة بالجد والاجتهاد والعمل لإصلاح ما فات ووضع مصر على القضبان للانطلاق نحو المستقبل المنشود؟. [email protected]