بصوته الجهوري العميق ، و نظراته الحادة ، أشار بأصبعه على سرحان عبد البصير مهددا بعواقب عدم الإذعان ، صائحا بنبرات قُصد بها أن تكون مرعبة " كل للي هتعمله انك تشاور على الجاني و تقول ... هو ده القاتل ! " كان هذا مشهد من مسرحية " شاهد ما شافش حاجة " بطولة الفنان عادل إمام (سرحان عبد البصير) والذي يجسد فيها شخصية الأرنب سفروت، وقد وجد نفسه مطالبا بالشهادة في قضية قتل في البناية التي يسكنها ، حيث يجبره عمر الحريري ( المقدم أحمد عبد السلام ) على الحضور الى جلسة المحكمة و الإشارة الى الجاني ، ورغم أنه لم يشاهده من قبل ، الا أنه يمتثل في النهاية بسبب اقناع المقدم أحمد له بأن ما يفعله انما هو خدمة للوطن . تذكرت هذا المشهد الذي علق في ذاكرة الدراما المصرية ( بسبب ما أثاره من جدل أخلاقي حول جواز شهادة الزور ، و ما اذ كانت مقبولة لإنقاذ النفس و الوطن ) و أنا أقرأ غير مصدقة لخبر صرف شاهد قضية ريجيني بلا عقاب ، رغم أن النيابة استيقنت من كذبه . المشهد السابق و الذي جسده عمر الحريري ، و أعاد تمثيله " أحمد موسى " و لكن بصوت غير جهوري هذه المرة ، أقرب هو الى الصوت الرفيع العالي ، في برنامجه صدى البلد ، عندما قاد الرأي العام إلى اتجاه غير الذي أوردته التحقيقات في مقتل ريجيني ، و قد قُصد بها لوى اتجاهها بعيدا عن تورط جهات تنفيذية في الحادث . و لا يعد ما فعله موسى مستغربا ، و قد أوحت جريدة اليوم السابع بالفكرة ، حين زعمت تفجيرها لمفاجآت في القضية ، منها أن الشبهات قاربت على إثبات بصمات إيطالية على مسرح الجريمة ، و منها أن جماعة الاخوان المسلمين ، هم من قاموا بتعذيب الطالب و قتله ، لإحراج السيسي دوليا . و لأن لا أحد يحاسب الصحفيين المحسوبين على النظام على ما تقترفه ألسنتهم في إحراج مصر دوليا ( حيث أعطوا انطباع للرأي العام الغربي أن مصر تنقصها الاحترافية ، سواء في سير التحقيقات ، أو في تناول الاعلام للقضية ) فقد استمرأ أحمد موسى هزلية تناول ما يحدث ، و اقتحم بشاهده مسرح الجريمة ، و هو مطمئن البال أن أيا منهم لن يحاسب على ما يقترفونه في حق الشعب المصري ، و قد كان ! فقد أفاد الشاهد أنه رأى "جوليو" يتشاجر مع شخص أجنبي يوم 24 أكتوبر الماضي قبل اختفائه بيوم واحد خلف القنصلية الإيطالية. وكشفت التحقيقات كذبه، و عدم مغادرته لمنزله بمدينة 6 أكتوبر في التوقيت الذي ادعى فيه أنه رأي المشاجرة. الكارثة هنا، أن الشاهد كان محور ادعاء من الجانب المصري، في اللقاء الذى عقد بين المستشار نبيل صادق- النائب العام- والمدعى العام الإيطالى جوزيبى بنياتونى، حيث تطرق الحديث إلى ظهور شاهد جديد في القضية ، حتى كذبت التحقيقات ادعاءاته ، و صرفته بدون محاسبة . أخطر ما في الموضوع ، هو تقديم النائب العام لشهادة المزور إلى النائب العام الايطالي ، بدون التيقن من شهادته ، و الرجوع إلى الكاميرات الليلية للتحقق مما قاله ، رغم أن ذلك أضعف الإيمان . و قول أن النيابة أظهرت الحقيقة و أن ما فعلته انما يندرج تحت بند الصدق في الاجراءات الجنائية ، انما هو باطل أريد به حق ، فالجانب الايطالي سيطالب بالإثباتات التي تدعم زعم تورط إيطالي آخر في القضية ، و لن تكتفي بكل تأكيد بشهادة شاهد مجهول ! موسى ارتكب جريمة العبث في سير التحقيقات ، و إظهار مصر بمظهر العابث في قضية اعتبرها البرلمان الاوروبي من الخطورة بمكان ، أن صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قرار يدين بقوة "تعذيب واغتيال الطالب الإيطالي في ظروف مريبة"، بموافقة 588 عضوا، ورفض 10، وامتناع 59. و اتخذها و غيره من الاعلاميين وسيلة للعبث - كما هي ديدنهم في تناول المسائل الداخلية المتعلقة بالشئون المصرية - و هم يعتقدون ان الغرب سيستقبلون مخرجاتهم أيا ما كانت ، سواء مقبولة أو غير مقبولة ، جادة أم هزلية ، منطقية أم عبثية ، كما اعتاد استقبالها بكل ترحيب جموع كبيرة من المصريين للأسف الشديد . لذا جاءت استهانة المسئولين و الاعلاميين من قرار البرلمان الاوروبي و استنكارهم له مفهوما غير مستغرب، و قد حملت رسائلهم نفس المضمون ، بأن "قرار البرلمان الأوروبي أمس غير ملزم للحكومات، ولا يتجاوز تأثيره بيانات الشجب والإدانة" ، و هو مضمون مغاير لما طالب به مصطفى بكري من عقد مؤتمر مصغر للرد على تدخل البرلمان الأوروبي في الشئون المصرية واصفا إياه بالتدخل السافر غير المرغوب به ، و هو تصريح مضحك ، اذ ان مقتل الطالب الأوروبي هو شأن أوروبي و ليس شأنا مصريا خالصا ، كما يحلو لهم عند تناولهم حالات الاختفاء القصري للمصريين ، كما أن عبارة تدخل البرلمان الاوروبي في الشئون المصرية يناقض مضمون أن قرارات البرلمان غير ملزمة أو مؤثرة ، فاذا كان الحال كذلك ، فمن الأدعى و الأصلح ترك قراراته لحال سبيلها، و عدم الالتفات لها ، لا أن تعقد لها ندوة أو مؤتمر للرد عليها ! و لم يكتف الاعلاميون بذلك ، بل ادعوا انتماء 4 نواب من نواب البرلمان الاوروبي إلى أحزاب يمينية متطرفة ، و بفرض صحة هذا الفرض ، يبقى لدينا 584 نواب غير متطرفين صوتوا بنعم للقانون . فإلى متى الاستخفاف بالعقول المصرية قبل الغربية في التعامل مع القضايا والأحداث البالغة الحساسية ؟ و إلى متى السكوت عن التصرفات و التصريحات المخجلة للإعلاميين، و التي تضع مصر في موقف بالغ الحرج مع الدول الأخرى ؟ و إلى متى تظل العدالة حاضرة على المغضوب عليهم ، و غائبة عن مدعي الوطنية أمثال شاهد الزور ( اللي ما شافش حاجه ) و الذي أضر بفعلته بالصالح العام المصري و ان ادعى العكس في تبرير طفولي " كنت عاوز أخدم بلدي " !!