وصف حقوقيون قرار مصر بإعادة التحقيق في قضية "173 تمويل أجنبي" بأنه رد انتقامي على قرارات الإدانة التي وجهت من قبل الاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية بشأن مقتل الطالب الإيطالي "جوليو ريجينى". وأضاف مسئولو هذه الجمعيات أنهم يتوقعون مزيداً من الإجراءات القمعية، وأن هناك مسئولين حاليين بالحكومة عبروا بوضوح فى السابق عن مناهضتهم لمنظمات المجتمع المدنى وكالت لها الاتهامات المباشرة بالعمالة. عودة التحقيقات "الكل جاى دوره ووقته وإحنا مش بننسى"، بتلك الكلمات تحدث المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق، حينما وجه إليه سؤال حول منظمات المجتمع المدني، وقضية التمويل الأجنبى التى تم فتحها منذ 2011 فى فترة حكم المجلس العسكرى وتم الإبقاء عليها مفتوحة حتى الآن. وجاء الإعلان عن فتح القضية خلال اليومين الماضيين، وذلك مع فتح قاضى التحقيق المستشار هشام عبد المجيد، تحقيقات موسعة فى القضية مرة أخرى تحت زعم ورود معلومات جديدة بشأن عدد من المنظمات الحقوقية وبعض المراكز الأهلية والإخوانية، وأشخاص متورطين فى تلقى تمويل من الخارج أجنبياً وعربياً. وكشفت المصادر القضائية للعديد من وسائل الإعلام المصرية، أنه تم إسناد القضية من قبل وزير العدل السابق قبل إقالته من منصبه إلى هيئة تحقيق جديدة مكونة من 3 قضاة، هم: "المستشار هشام عبد المجيد، وأحمد عبد التواب، وخالد الغمري"، وأصدرت قرارات استدعاء لعدد من ممثلى وموظفى المنظمات الحقوقية المصرية وعدد آخر من المسؤولين السابقين والحاليين فى الوزارات المعنية لسماع شهاداتهم فى القضية، وستمشل العديد من المنظمات، ومنها ال16 منظمة التى تشوه صورة مصر. أسبوع الإدانة الدولية والملفت للنظر فى موعد إعادة فتح التحقيق فى القضية، أنه جاء بعد أسبوع غير مسبوق لإدانة جرائم حقوق الإنسان بمصر، والذى بدأ بخطاب 16 منظمة حقوقية بمصر – معظمهم ستشملهم التحقيقات الجديدة – إلى المفوض السامى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة وعبرت المنظمات فى خطابها، عن قلقها البالغ إزاء ارتفاع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها السلطات المصرية حالياً على نحو عنيف وصادم. وقالت المنظمات وفق بيان أصدرته إن السلطة تستخدم الحرب على الإرهاب ذريعة للانتهاكات، فى ظل حالة من الطوارئ غير معلنة. ولم تنتظر مصر إلا ساعات قليلة حتى أصدر البرلمان الأوروبي، بيانًا عاجلًا الأربعاء 9 مارس/آذار 2016، أوصى خلاله دول الاتحاد الأوروبي، بحظر المساعدات إلى مصر، على خلفية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجينى بالقاهرة، بعد أن وصف القضية بأنها تعد واحدة من عشرات قضايا الاختفاء القسرى التى تمارس بحق النشطاء المصريين. وأكد البرلمان الأوربى أن قلقه البالغ من أن حالة ريجينى ليست عابرة، ولكن يتم وضعها ضمن سياق الزيادة الكبيرة فى تقارير التعذيب فى مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة المصرية، وغيرها من حالات الوفاة فى أماكن الاحتجاز، وحالات الاختفاء القسرى فى مصر. ننتظر التحفظ على الأموال والسجن ورغم مرور أكثر من 4 سنوات على فتح التحقيق فى القضية، إلا أنه لم يتم إغلاقها، ويقول جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أنه حتى تلك اللحظة لم يتم التحقيق معنا، أو استدعاؤنا، ورغم ذلك فوجئنا بمنعنا من السفر دون أى سند قانوني، أو معرفة دوافع ذلك، ورغم محاولتى رفع القرار ومعرفة أسبابه، إلا أن غياب دولة القانون بمصر منع ذلك. وأكد عيد فى تصريحات خاصة ل"هافينغتون بوست عربي"، أن إعادة فتح القضية بالتأكيد جاء بعد قرار البرلمان الأوربي، وبدلاً من أن يبحث النظام القمعى البوليسى بمصر عن أخطائه الحقوقية التى تعهد بتنفيذها أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي، يسعى النظام للانتقام من المنظمات التى يعتقد أنها السبب فى فضحه أمام العالم. وأشار مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إلى أننا نتوقع مزيداً من الإجراءات القمعية معنا خلال الأيام القادمة، خصوصاً مع الأنباء التى تتحدث عن التحفظ على أموالى مع حسام بهجت واثنين آخرين لم يتم الإعلان عن اسمهما، وقد يصل الأمر إلى الزج بنا داخل السجن، ولكن هذا الأمر لن يرهبنا، وسوف نستمر فى فضح جرائم هذا النظام طالما كنا خارج السجن. ابحثوا عن فايزة أبو النجا ورجال مبارك فى حين قال نجاد البرعى مدير المجموعة المتحدة للقانون وأحد المتهمين فى تلك القضية، إن النظام الحالى لديه رغبة عالية فى الانتقام من منظمات المجمتع المدني، خصوصاً وأن بداخله رجال دولة مبارك الذين لديهم هاجس تجاه منظمات المجتمع المدني، وعبروا عن آرائهم من قبل فى أنها سبب سقوط رأس نظامهم. وأشار إلى أن الدكتورة فايزة أبو النجا مستشار الأمن القومى الحالى للرئيس السيسي، ووزيرة التعاون الدولى منذ عهد مبارك، وفى وقت فتح القضية فى 2011، عبرت عن موقفها الواضح المناهض للمجتمع المدني، ووجهت لهم اتهامامت مباشرة بالعمالة، والخيانة، وهو ما وضح فى شهادتها التى أدلت بها فى تلك القضية. وكذلك هناك وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند، والذى أكد عدة مرات أن الملف سوف يفتح من جديد، وسوف تتم محاسبة كل شخص على مواقفه. ومن يراجع مذكرات أحمد أبو الغيط وزير خارجية مبارك المرشح لتولى منصب الأمين العام لجامعة الدولة العربية، يجد ما قاله من ضرورة محاربة تلك المنظمات لدورها فى فضح عوار الأنظمة. وأكد أن جميع العاملين فى ملف حقوق الإنسان بالعالم الثالث، لديه توقع بأن يكون هناك انتقام الأجهزة الحكومية الذى يقوم بفضح انتهاكاتها، وهى ضريبة نعلم بها، وهو الأمر الذى مارسه النظام مع مركز النديم منذ أسابيع، وغلقه بحجج واهية، ثم استدعائى للتحقيق، ومواجهتى بقضايا وهمية لمطالبتى بإصدار قانون ضد التعذيب، والآن يتوسع الانتقام بإعادة فزاعة "التمويل الأجنبي"، التى طالما كان يستخدمها النظام بانتقائية، فيسمح بها لمن يهلل له، ويضاعف أرصدته بها، ويحاكم من يمارس عمله وفق الأعارف والمعايير الحقوقية الدولية. بداية القضية ودور طنطاوى والسيسى بها وترجع بداية وقائع القضية إلى عام 2011، وبعد شهور قليلة من ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، ووفقاً لما سجله الإعلامى المصرى مصطفى بكرى المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية، وعضو مجلس النواب الحالي، فإن تفجير هذه القضية جاء بتعليمات مباشرة من المشير محمد حسين طنطناوى رئيس المجلس العسكرى الحاكم لمصر فى تلك الفترة. ووفقاً لما وثقه بكرى فى كتابه «لغز المشير» الذى أصدره العام الماضي، فإن تجهيز القضية جاء بعد متابعة دقيقة من المخابرات الحربية التى كان يترأسها حينها الفريق عبد الفتاح السيسى الرئيس الحالى لمصر، وهى العملية التى أطلقوا عليها حينها "الاختراق الأجنبى للمنظمات والنشطاء"، ودور تلك المنظمات فيما أسموه مخطط الفوضى وإسقاط الدولة منذ 2005. وبعد قرار تشكيل لجنة تقصى حقائق حول القضية، تم اتخاذ قرار بإحالة جميع هذه المستندات إلى النيابة العامة، وشملت الاتهامات نحو 400 منظمة مصرية ودولية، بخلاف النشطاء، ثم تمت إحالة 43 متهماً إلى محكمة الجنايات، من بينهم 19 أميركياً، وتقرر منعهم من السفر وإحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة. وذكر بكرى أن قرار إلغاء قرار المنع من السفر للمتهمين الأجانب جاء بعد لقاء المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس المحكمة المنظور أمامها القضية حينها، مع المشير طنطاوي، وفى حضور الفريق سامى عنان رئيس الأركان واللواء ممدوح شاهين مسئول الشئون الدستورية والقانونية بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك وسط أجواء حملة دولية ضد حبس النشطاء بمصر، وضغوط تهديدات اقتصادية وزيارة رئيس الأركان الأميركى لمصر، قبل مغادرة جميع الأجانب ال19 فى مارس 2012، على متن طائرة أميركية خاصة، فى فضيحة أطلق عليها حينها "تهريب الأجانب خارج البلاد".