مع ارتفاع صوت المؤذّن في مدينة "آبا" غربي إفريقيا الوسطى، تتدفّق حشود المصلّين لأداء صلاة الفجر، في مشهد يبدو عاديا إلى أبعد الحدود، غير أنّ ما ينضح به من مؤشرات تعني الكثير بالنسبة لسكان هذه المنطقة المروّعة كغيرها من مناطق البلاد بالأزمة الطائفية التي كانت تعيش على وقعها منذ 2013. "وأخيرا، طوينا صفحة مأساوية من تاريخنا".. عبارة يجمع عليها معظم سكّان المدينة ذوي الأغلبية المسيحية، ممّن يشعرون بسعادة عارمة لرؤية المئات من المسلمين يعودون إلى ديارهم التي اضطروا لمغادرتها منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013، هروبا من فظاعات ميليشيات "أنتي بالاكا" المسيحية. فعودة هؤلاء المسلمين المنتمين في معظمهم إلى عرقية "الفولاني"، منتجين كانوا أو مستهلكين، ضخّ الحياة من جديد في شرايين اقتصاد يحتضر منذ أكثر من عامين. يونس أحمد هو أحد المسلمين الذين عادوا إلى المدينة من الكاميرون، منتصف فبراير شباط الماضي، ليستأنف نشاطه في إدارة محلّه التجاري الصغير. رحلة معاناته انطلقت كغيره من مسلمي البلاد إبّان إندلاع الأزمة، ليجد نفسه مجبرا على ترك كلّ شيء والهرب بحثا عن ملجأ آمن في الكاميرون المجاورة. "عانيت الكثير في مخيّم اللاجئين"، يقول يونس بأسى، "مع أنّ مكاني الطبيعي هو هنا، ولذلك قرّرت العودة إلى الديار، وهذا ما حصل، حيث عدت حاملا معي القليل من المال الذي تمكّنت من جمعه". يونس قال أيضا للأناضول إنّ المسار الناجح للانتخابات (الدور الأوّل في 30 ديسمبر كانون الأول والثاني في 14 فبراير شباط الماضيين)، هو ما شجّعه على العودة، خصوصا وأن هذا الإقتراع وضع حدّا لفترة انتقالية شابتها الكثير من الفوضى، مضيفا أنّ "الوضع الحالي يتطلّب منّا المشاركة في إعادة بناء البلاد". من جانبه، قال ماسا ساني، أحد المسلمين العائدين إلى "آبا"، أنّ "التماسك الإجتماعي الذي أضحى حقيقة ملموسة في غرب إفريقيا الوسطى، هو ما يسّر عودة المسلمين إلى البلاد". أما يونس، فعاد ليقول إنّ "الجميع فقدوا أناسا يحبّونهم، وخسروا ممتلكاتهم، ولم يكن هناك فائز في هذه الحرب التي شهدناها، ولذلك، فإنّ أولى مهام رئيس الجمهورية المنتخب حديثا (فوستن تواديرا) هي ضمان عودة جميع سكان إفريقيا الوسطى إلى الديار". ورغم تجدّد أعمال العنف الطائفي منذ بضعة أيام في منطقة بامباري، شمال شرقي إفريقيا الوسطى، حيث اندلعت مواجهات بين الميليشيات المسيحية والمسلمة، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص، إلا أنّ السياق العام للأحداث ينبئ بأنّ البلاد في طريقها تدريجيا نحو تضميد جراحها. أما في العاصمة بانغي، فإن المسلمين والمسيحيين يتعايشون بشكل سلمي منذ عدة أشهر. وفي 12 فبراير/ شباط الماضي، أعيد رسميا فتح أبواب مقبرة المسلمين، وذلك عقب نحو 3 سنوات، في خطوة شكّلت "علامة ومؤشرا على المصالحة الوطنية الحقيقية" بالنسبة لمسلمي إفريقيا الوسطى. وغادر افريقيا الوسطى في العامين الأخيرين حوالي 470 الف شخص غالبيتهم من المسلمين حيث لجأوا الى الكاميرون وتشاد والكونغو الديمقراطية، فيما نزح داخل البلاد عشرات الالاف الآخرين، بحسب احصائيات الاممالمتحدة.