اتخذ رئيس الجمهورية القرار الصحيح عندما قرر إقالة أحمد الزند وزير العدل المتمرد ، وقد اضطرت رئاسة الجمهورية إلى إهانته بطلب بقائه في بيته وإبلاغه أنه قد صدر قرار بإقالته بعد أن امتنع عن تقديم استقالته طوعا ليخرج بكرامة ، والحقيقة أن ما فعله الزند في الساعات التي سبقت إقالته كاشفة لمدى الخطر الذي كان يمثله هذا الرجل على الدولة والوطن ، حيث نجح في تشكيل شبكة واسعة ومعقدة ونافذة من الولاءات والمصالح ، فناهيك عن كتيبة إعلامية في أكثر من قناة فضائية وصحيفة ومواقع الكترونية ، تحرك نادي القضاة وعقد اجتماعا عاجلا أعلن بعده رفضه قرار إقالة الزند من الوزارة ، بما يعني أن "النادي الاجتماعي" يفرض وصايته على الدولة بكاملها ، ويتغول على رأس السلطة التنفيذية ويحاول منعه من ممارسة سلطاته ، وهذه كارثة بحد ذاتها ، كما توجه قرابة مائتين من القضاة إلى منزل الزند لإعلان التضامن معه ورفض إقالته ، وقد نشر عن بعضهم قوله أنه لن يعمل إلا في ظل "قيادته" للوزارة ، كما هدد عدد من المستشارين بوزارة العدل بتقديم استقالة جماعية إذا نفذ السيسي قرار إقالة أحمد الزند ، نحن هنا أمام حالة تمرد حقيقية ضد الدولة ومؤسساتها ، أمام تحديات خطيرة للغاية ، أكبر من فكرة "الشلة" والعصبة التي تقدم ولاءاتها لأشخاص ومصالح على حساب الوطن وعلى حساب المؤسسات والدستور ، وأرجو أن يتخيل القارئ أو المتابع لخصومتنا القضائية الحالية مع أحمد الزند والتي تم تحويلها للجنايات وستنظرها المحاكم قريبا ، يتخيل لو أن "حظنا" وضعنا أمام منصة محكمة يرأسها أحد هؤلاء القضاة المحتشدين دفاعا عن الزند وغضبا من إقالته وتضامنا مع استمراره في السلطة ، ماذا كانوا سيفعلون بنا ؟!. أحمد الزند نجح في تشكيل شبكة تكتل مصالح نافذة للغاية في مؤسسة العدالة منذ السنوات العشر الأخيرة لمبارك وحتى تمت الإطاحة به ، سواء من خلال نادي القضاة والصراعات التي خاضها من خلاله ضد آلاف القضاة ، أو من خلال الأشهر العشرة التي قضاها في الوزارة وقام بعملية إعادة هيكلة بالكامل تقريبا ، وبدأ بأجهزة لها حساسية خاصة مثل الكسب غير المشروع الذي غيره بالكامل تقريبا ووضع عددا من القيادات المقربة له ، كما وضع يده على إدارة التفتيش القضائي التي يخشاها أي قاض بما تملك من أدوات مؤثرة للغاية على مستقبله الوظيفي ، ولذلك أعتقد أنه ستكون المسئولية كبيرة على القيادة السياسية إذا كانت ترغب في حماية مؤسسة العدالة من الشللية والاستقطاب والتي وصلت إلى حد تحدي سلطات الدولة وقرار الرئيس بتغيير الوزير الموالي لهم ، والمؤكد أن هذه المجموعة ترتب أوراقها من الآن لكي لا يفلت المنصب كلية من أيديهم ، وهناك أسماء يتم تداولها الآن كمرشحين لوزارة العدل خلفا لأحمد الزند ، وقد لاحظت أن عددا من هؤلاء المرشحين هم من "شلة" الزند ، ومن يدينون له بالولاء الكامل ، وإذا تولى أحدهم المسئولية خلفا له فهذا يعني أسوأ من استمرار الزند نفسه ، لأن "المجموعة" ستعمل على "رد الصاع" وتلغيم أجواء العدالة بما يربك القيادة السياسية ويشل قدرتها على التغيير مستقبلا ، كما أن تولى أحد من "رجال الزند" للوزارة سيعرض العلاقة بين مؤسسات الدولة وأجهزتها للصدام والصراعات ، على خلفية الاتهامات التي تروج حاليا بأن الزند كان ضحية صراعات أجهزة ، واستغلت غلطته الكبيرة بالتطاول على مقام النبي . لم يعرف القضاء المصري في تاريخه بؤسا وصراعات وضياع هيبة مثلما حدث في المرحلة التي علا فيها نجم الزند ، سواء في نادي القضاة أو وزارة العدل ، حيث أصبح القضاء جزءا من الصراع السياسي الصريح ومن الصراخ الإعلامي والمهاترات والاتهامات المتبادلة بين القضاة وبينهم وبين القيادات الحزبية وبينهم وبين الإعلاميين ، ولم يحدث أبدا أن شهدت المحاكم هذا العدد الكبير من القضايا التي يمثل وزير العدل نفسه طرفا فيها ضد الصحفيين والإعلاميين ، كما لم يحدث أن ووجه القضاء المصري بهذا القدر من الاتهامات والانتقادات الدولية مثلما هو الآن ، والنظام السياسي بكامله يدفع فاتورتها ، سياسيا وحقوقيا واقتصاديا أيضا ، لأن المجتمع الدولي يصنف النظام كله ويعاقب النظام كله ، وليس فقط قضاءه ، وقد آن للدولة المصرية أن تستعيد قضاءها ، وآن للقضاء نفسه أن يستعيد هيبته وقدسيته ، التي تنبع من احترام المجتمع له والثقة في نزاهته وحيدته وشفافيته واعتداد رجاله باستقلالهم وأمانتهم ، وأنا واثق من أن قضاء مصر يمتليء برجال كثر شرفاء وقادرين على إنقاذ رسالتهم النبيلة من أزمتها التاريخية .