مازلت فى الحديث عن الأزهر.. قوة مصر الناعمة القادمة. بلدياتى الرجل الجدع والقوى الشيخ أحمد الطيب رفض استقبال وزير الخارجية الإيطالى يوم الخميس لأنه تأخر بضع دقائق عن موعده دون عذر مقبول، واعتبر أنه يمثل إهانة للأزهر أولا وليس لشخص إمام الأزهر. تكاد تكون المرة الأولى منذ عقود طويلة. وهى فى حد ذاتها مؤشر للقوة التى ستمنحها هذه المؤسسة العملاقة لمصر. أعرف الطيب بحكم القرب. رجل لا يعرف إلا الخط المستقيم. وقل ما شئت عن عائلته وقريته وحسبه ونسبه. إلى الآن لا يتردد فى السفر إلى القرية الصغيرة ليحل مشكلة عائلتين أو نزاع شخصين ولو على قيراط أرض. رغم مشاغله لا يتأخر عن قضاء يوم الجمعة غرب الأقصر، ليجلس - الجمعة - فى ساحة والده وجده الشهيرة، يلتقى الأهل والجيران وجيران الجيران وكل من يأتيه من القرى القريبة والبعيدة. إنه الخال وليس شيخ الأزهر. سمته التواضع. ولكنه قوى فى الحق.. لا يتردد عن الصدع به. ذكرنى موقفه بموقف شبيه لأحد شيوخ الأزهر السابقين، وهو الشيخ محمد مصطفى المراغى، الذى تولى المشيخة من عام 1928 إلى عام 1930 ثم استقال من المنصب، وعاد إليه فى الفترة من عام 1935 إلى 1945. فقد قررت الحكومة البريطانية، أن تحتفل بتنصيب الملك جورج الخامس إمبراطورًا على الهند أثناء احتلالها لها، وكان الشيخ المراغى ضمن المدعوين، والبروتوكول يقضى بألا يصعد الباخرة سوى الحاكم الإنجليزى، وغيره يظل بمحاذاتها ويكفيه شرف إطلالة الملك. المراغى قال للحاكم الإنجليزى.. لن استقبل الملك إلا إذا صعدت مثلك إلى الباخرة. تحرج الإنجليز وغيروا البروتوكول فصعد المراغى وصافح الملك مصافحة عادية. استنكر الإنجليز عليه أنه لم ينحن مثلما انحنوا فرد عليهم بقوة: ليس فى ديننا الركوع لغير الله. وضع المراغى قانون إصلاح الأزهر وقدمه للملك فؤاد، فرفضه لأنه يجعله مستقلاً عن القصر.. وضع الشيخ القانون فى مظروف واستقالته فى مظروف آخر.. وطلب من الملك الاختيار بين الاثنين. اختار الملك فؤاد الاستقالة، فأضرب علماء وطلاب الأزهر عن الدراسة 14 شهرًا، إلى أن رضخ وأعاده للمشيخة. فى الحرب العالمية الثانية رفض المراغى فكرة اشتراك مصر سواء بالتحالف مع الإنجليز أو الألمان، وأحدث ذلك ضجة كبيرة هزت الحكومة المصرية وأقلقت الإنجليزية التى طلبت منها تبريرًا وتفسيرًا. اتصل رئيس الوزراء، حسين سرى باشا، بالمراغى وخاطبه محتداً طالبًا منه أن يعلمه مسبقًا بما يريد قوله حتى لا يتسبب فى إحراج الحكومة، فرد عليه بشدة: "أمثلك يهدد شيخ الأزهر؟!.. أنا أقوى منك بمركزى ونفوذى بين المسلمين، ولو شئت لارتقيت منبر الأزهر وأثرت عليك الرأى العام. ولو فعلت لوجدت نفسك على الفور بين عامة الشعب". رفض المراغى فيما بعد طلب الملك فاروق إصدار فتوى تحرم الزواج من طليقته الملكة فريدة. وعندما مرض ودخل مستشفى المواساة فى الإسكندرية زاره الملك، وطلب منه مرة ثانية الفتوى بذلك، فصاح فيه رغم شدة المرض: المراغى لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله. رحمة الله عليه وعلى الأزهر الذى سيبعث للحياة مرة أخرى مع قوة الجمهورية الثانية واستقلاله عن السلطة. [email protected]