يبدو أن الاشتباك الدبلوماسي بين أنقرة وبغداد الذي تصاعدت حدته في الأيام الأخيرة غير بعيد عن تدخل تركيا بقوة على خط الأزمة السياسية المتصاعدة بالعراق على خلفية مذكرة توقيف نائب الرئيس السني طارق الهاشمي. ففي 18 يناير, كشفت صحيفة "المدى" العراقية نقلا عن مصدر في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي أن سبب التصعيد الأخير بين بغداد وأنقرة هو ما سماه "اللغة المتعالية" التي استخدمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع المالكي في مكالمة هاتفية جرت بينهما مؤخرا. وأضاف المصدر, الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن المكالمة اتسمت بلغة فوقية متعالية لا تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية في العلاقات الدولية، مؤكدا أن "المالكي استاء جدا من أسلوب نظيره التركي". وتابع "الخطاب التركي تغير بشكل جذري بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، وبات يأخذ طابع التدخل وفرض الأشياء بشكل سافر بعيدا عن الاعتبارات الدبلوماسية, ووصل بها (تركيا) الحد إلى التلويح بتدخل عسكري لحل قضية طارق الهاشمي". واختتم المصدر السابق, قائلا:" أنقرة غادرت سياسة تصفير المشاكل والقوة الناعمة إلى سياسة البلدوزر من خلال تدخلها في سوريا والعراق". واللافت للانتباه أن التصريحات السابقة جاءت بعد أن استدعى وكيل وزارة الخارجية العراقية محمد جواد الدوركي في 17 يناير السفير التركي في بغداد يونس دميرار ونقل له احتجاج بغداد على ما اعتبره تدخلا تركيا في الشأن الداخلي لبلاده . وأوضحت وزارة الخارجية العراقية في بيان لها أن الدوركي أبلغ دميرار قلق الحكومة العراقية من التصريحات التي صدرت مؤخرا عن مسئولين أتراك، والتي من شأنها التأثير سلبا على العلاقات بين البلدين، وطلب إليه إبلاغ ذلك إلى حكومته. ومن جهته، أكد السفير التركي أن ما صدر من تصريحات على لسان المسئولين الأتراك حول الأزمة السياسية بالعراق كان بنية حسنة، مضيفا أنه سيقوم بإبلاغ حكومته بموقف الجانب العراقي. وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو وصف في 15 يناير ما يجري في قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بأنه "إجراءات تطهيرية مؤذية من قبل الحكومة العراقية ضد السياسيين السنة". وجاءت تصريحات أوغلو بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن العراق يشهد أوضاعاً لا يمكن معها الوقوف من دون حراك، محذراً من أن تلك الأوضاع تنذر بنزاع طائفي. وقال أردوغان في كلمة أمام كتلته البرلمانية في بداية يناير إن العراق يواجه مسئولية تاريخية، داعيا زعماء مختلف الكتل السياسية والدينية العراقية إلى "الإصغاء لضمائرهم للحيلولة دون أن يتحول التوتر الطائفي في بلادهم إلى نزاع أخوي جديد". وكانت إجراءات المالكي ضد السنة في أعقاب الانسحاب الأمريكي في 18 ديسمبر الماضي والتي تمثلت في صدور مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي بزعم تورطه في أعمال إرهابية والمطالبة أيضا بسحب الثقة عن نائب رئيس الوزراء صالح المطلك أشعلت فتيل أزمة بين ائتلافي دولة القانون بزعامة المالكي والعراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، التي قاطعت جلسات البرلمان ومجلس الوزراء, وفيما حاولت تركيا القيام بدور الوساطة في هذا الصدد, إلا أن المالكي رفض هذا الأمر واتهمها بالانحياز للسنة في العراق. وبالنظر إلى أن الأزمة السياسية المتصاعدة في العراق أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية بشكل خطير, فقد تحركت تركيا بقوة للدفاع عن الطائفة السنية من جهة ومنع نشوب حرب أهلية يترتب عليها تقسيم بلاد الرافدين من جهة أخرى. فمعروف أن إيران تغلغلت بقوة في العراق بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين, وبالنظر إلى سعي المالكي لتهميش السنة أكثر وأكثر بعد الانسحاب الأمريكي فقد سعت تركيا "السنية" لمنع هذا الأمر لأسباب دينية وأخرى تتعلق بالتنافس الإقليمي مع طهران. ويبقى الأمر الأهم وهو أن سياسات رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي تهدد بإشعال حرب أهلية قد تتسبب في تقسيم بلاد الرافدين وتحقيق طموحات أكراد العراق في إقامة دولة مستقلة, ولذا فإن أنقرة تحركت بقوة لمنع هذا الأمر الكارثي الذي سينعكس في حال حدوثه على أمنها القومي بشكل مباشر وسيشجع أكراد تركيا على السعي لخطوة مماثلة.