أحدث صيحة في هدايا الأعياد في الغرب " أنوف وشفاه جديدة " فبعد انتشار ظاهرة جراحات التجميل أصبحت استمارة مدفوعة مقدما لإجراء جراحة تجميلية تتمناها الابنة أو الزوجة هي أفضل هدية ممكنة لتستقبل العيد بوجهها الجديد وهكذا تم استبدال ملابس الأعياد الجديدة بوجوه الأعياد الجديدة أيضا. ولأننا جزء من القرية الكونية التي تتجه بسرعة في اتجاه العبث واللامعقول فإننا لسنا بمعزل عن ذلك ، والممثلة المصرية التي أسلمها وهم البحث عن الجمال إلي غيبوبة لا يعلم مداها إلي الله مجرد مثال بسيط. والملاحظ أن وجوه النجمات التي تطالعنا في الفضائيات أصبحت متشابهة لأن " المصنع " الذي أعيد إنتاجها فيه واحد. ليس المظهر فقط الذي أصبح مصنعا " مضروبا " بل أسلوب الكلام وطريقة التفكير وكل شيء ، فلقد أصبحت " الموضات والصرعات " صبغة عامة تصبغ شكل الحياة بلونها وتملأ الأواني الفارغة بمائها وهكذا تضاءل التمايز والاختلاف وقلت فرص الإبداع ومسخت الهوية الذاتية والشخصية الثقافية المستقلة. أغرقت الأسواق بأشكال وأنواع من السلع المصنعة من الطعام والشراب والملابس والأدوات التي لم تعرفها البشرية لقرون طويلة لأنها لا تلبي احتياجات طبيعية وفطرية لديها ، واليوم خلق وجود تلك السلع احتياجات مصطنعة ورغبات مفتعلة لدي الجميع. فأصبح الطفل لا يستغني عن أكياس المسليات والحلوى والمشروبات الصناعية رغم أضرارها الصحية المعروفة وخلوها من القيمة الغذائية ، والشاب يملأ حياته ويشغل خياله بالأغاني والرنات أما المرأة فهي حجر الزاوية في تبني أسلوب الاستهلاك لمجرد الاستهلاك بدءا من الأزياء ومستحضرات التجميل إلي تغير خلق الله وإعادة تشكيل الوجه والجسد لتحقيق مواصفات الجمال القياسية التي يتحكم بواسطتها أباطرة الاقتصاد في السوق ليجنوا الملايين. وللعلماء تجربة مثيرة في مجال اصطناع الاحتياجات إذ قاموا بإثارة مراكز اللذة في فخ حيوانات التجارب وأصبح ممكنا بمجرد الضغط علي زر معين بتشغيل دائرة كهربية موصلة للمخ ، الحصول علي إحساس عميق بالمتعة لم يعرفه الحيوان من قبل. وهكذا استحدثوا احتياطيا جديدا لدي الحيوان الذي أصبح كل همه أن يدوس علي الزر ليحقق اللذة الصناعية وانشغل بذلك حتى أنصرف عن تلبية احتياجاته الفطرية الطبيعية فأهمل الطعام والشراب والجنس وتفرغ للضغط علي الأزرار التي تلبي احتياجاته الجديدة المفتعلة. وبالنسبة للإنسان ستظل احتياجاته الأرقي هي تحقيق الذات وتقدير الذات وحب المعرفة والوصول إلي أجوبة كثيرة لأسئلة الحياة دون الحاجة إلي تغيير شكل الوجه والاستغراق في شرك السلع الطفيلية والاحتياجات المزيفة. يقول الله تعالي " يَا أَيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ " صورتك التي سواك الله عليها هي جزء عزيز من خصوصيتك بعيدا عن مواصفات السوق فأنت إنسان من لحم ودم تركيبتك الخاصة جدا هي التي تكفل لك النجاح والسعادة وأنت لا تمنح الآخرين لوحة فنية جميلة للتأمل فلا حاجة لهم بذلك ، لكنك تمنحهم قطرات من رحيق وجدانك وتمد لهم يدك الحانية الرفيقة لتعينهم علي مواجهة الحياة وبذلك فقط يحبك الناس ويلتفون حولك. أجمل لحظات الحياة تلك اللحظات التي تنكشف أمامك فيها الحجب لتشرق أمامك الحقيقة و تحيا إنسانيتك بعمقها وتكون أنت نفسك بكل معطياتك الداخلية والخارجية ، بصورتك التي أرداها لك الله عز وجل ، أيا كانت تلك المعطيات بإمكانك استخدامها فيما يحقق لك السعادة والنجاح وينشر من حولك الخير والسلام.