لم يمض أكثر من 30 يومًا على عقد جلسات البرلمان، وبدأت الأزمات مبكرًا خلال هذه الأيام شملت استهزاء بأداء اليمين الدستورية، استقالات لبعض النواب، فضلاً عن واقعة الاعتداء الأخيرة من قبل أمناء الشرطة على بعض نواب المجلس، والتي أشعلت الصراع بين وزارة الداخلية ومجلس النواب. بدأت الأزمات بمجلس النواب في الجلسة الإجرائية، حينما علق المستشار بهاء الدين أبو شقة، عضو مجلس النواب، والذي ترأس الجلسة الإجرائية لمجلس النواب آنذاك على أداء اليمين الدستورية للنائب مرتضى منصور عضو مجلس النواب، ورئيس نادي الزمالك والذي أضاف عبارة "مواد الدستور" في اليمين الدستورية، طالبًا إياه بأن يعيد القسم مرة أخرى وأن يلتزم بنص المادة 104 من الدستور. وقال أبو شقة: "نحن أمام المادة 104 من الدستور وهي واضحة ولابد أن نأخذ بوضوح النص، وهو لا يحتمل تفسيرًا أو تأويلاً أو تحويرًا، والمادة 104 وضعت شرطًا وقيدًا لممارسة مهام العضوية، والمادة حددت القسم الدستوري على نحو واضح وظاهر وجلي، ولابد أن يكون هناك التزام بحرفية النص". ومن جانبه، رفض مرتضى منصور أداءه القسم مرة أخرى قائلاً: "أنا أديت اليمين، وبحترم مواد الدستور والأحكام الانتقالية، ولا وصاية عليا من المجلس، وشغل المخبرين انتهى من زمان، وأنا حر مش معترف ب "25 يناير"، وأنا مش ملتزم بموضوع الإنشاء في أول الدستور، أنا أحترم فقط مواد الدستور والأحكام الانتقالية، إزاي أحلف على شيء مش مقتنع به"، وحينما حاول البعض إثناءه على أن يعيد القسم مرة أخرى، قال منصور "عليا الطلاق ما هحلف". وكان عدد من النواب عن ائتلاف "دعم مصر"، تقدموا بطلب إلى رئيس الجلسة الإجرائية المستشار بهاء الدين أبو شقة، لإلزام رئيس نادي الزمالك، بإعادة اليمين الدستورية، لأنه قال "ألتزم بمواد الدستور" بدلًا من "ألتزم بالدستور". وتأتى الأزمة الثانية، رفع الحصانة، الذي أثار جدلًا واسعًا، بشأن تعديل النص الخاص بتقديم طلب بإذن رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب، لينص على أن يقدم طلب الإذن برفع الحصانة عن العضو من الجهة القضائية المختصة بالإجراء الجنائي، وهو ما أثار غضب عدد من الأعضاء. كما وردت إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، عدة طلبات من بعض الأفراد، بشأن رفع الحصانة من 4 نواب هم: حسين محمد عيسى، محمد بدوي، سيد دسوقي، عبدالرحيم علي، وعلى الرغم من أن المادة 113 من الدستور، والتي تنص على أنه يتعين البت في اتخاذ القرار الإجرائي في 30 يومًا، إلا أن رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال، قرر عرض الأمر برمته على الأعضاء في جلسته العامة. وتتوالى الأزمات بمجلس النواب، حيث أثارت المادة 190 من الدستور المصري أزمة داخل مجلس النواب، حيث تنص المادة على أن مجلس الدولة "يتولى وحده الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية"، وبالتالي سيكون على مجلس النواب عقب الانتهاء من القوانين والمشروعات، أن يرسلها لمجلس الدولة للفصل فيها، الأمر الذي أدى إلى انزعاج عدد كبير من نواب البرلمان. من جانبهم، قدم عدد من نواب البرلمان مقترحات ومطالب للخروج من مأزق المادة، وذلك عن طريق إصدار المجلس قرارًا بقانون بشأن المادة تلزم فيها دائرة التشريع بمجلس الدولة بمدة محددة للانتهاء من النظر على القوانين، أو إنشاء دائرة خاصة لمراجعة وصياغة القوانين التي تصدر عن المجلس، فيما طالب البعض الآخر بندب هذه اللجنة إلى مجلس النواب نفسه وتكون مهمتها قوانين البرلمان. واعتبر النائب عاطف مخاليف، نائب المطرية، أن عرض اللائحة الخاصة بالنواب على مجلس الدولة يعد تدخلًا في الشأن الداخلي الخاص بالمجلس، وخاصة أن البرلمان هو المنوط به إصدار التشريعات والقوانين ومجلس الدولة يصدق عليها بعد صياغتها بشكل قانوني. وأضاف مخاليف ل"المصريون" أن مجلس النواب هو المنوط بالتشريع وسن القوانين، وأن إقرار اللائحة الداخلية يأتي بعد عرض موادها في جلسة عامة ويقر ما يراه ويرفض المواد الأخرى، ولا شأن لأي جهة في فرض رؤيتها أو هيمنتها على أداء النواب تحت القبة، لافتًا إلى أن الحكومة هي فقط من تقوم بعرض قراراتها بقوانين على مجلس الدولة، وذلك في غيبة البرلمان، من أجل التصديق. وتابع عضو مجلس النواب، أنه سيتصدى لهذا الأمر لو تم وقررت اللجنة التي تقوم بإعداد اللائحة الآن بعرضها على مجلس الدولة، لأنها تقلص صلاحيات البرلمان، وتجعله مكتوفي الأيدي. وفي سياق متصل، قال النائب إبراهيم عبدالوهاب، عن حزب المصريين الأحرار ودائرة الوالي، إن المادة 190 والتي تعطى لمجلس الدولة الحق في الإفتاء على القوانين التي يقرها مجلس النواب، تهدد صلاحيات النواب وتعرقل المسيرة التشريعية لهم. وقال عبدالوهاب ل"المصريون" أنه من الممكن أن يصدق البرلمان على قانون ثم يأتي مجلس الدولة بإلغائه، وكل هذا يهدد النواب ويثير المخاوف لدينا، مؤكدًا أن بسبب هذا القانون مازال هناك خلافات عند بعض النواب المعترضين على المادة 190. لم تمر سوى عدة أسابيع على انعقاد مجلس النواب 2016، إلا وشهد استقالة نائبين من أعضائه، بدأها النائب اليساري، كمال أحمد، أحد أقدم أعضاء مجلس النواب الحالي الذي أعلنها لأسباب صحية، واعتراضه على ما وصفه بالسلوك غير الحضاري الذي يحدث تحت قبة البرلمان الذي تحوّل إلى "سيرك"، ورفضها رئيس المجلس، الدكتور علي عبدالعال، وكان له الكثير من المواقف السياسية عارض الرئيس السادات حول سياسات الانفتاح الاقتصادي بشكل استهلاكي، وكان ضمن النواب الذين رفضوا معاهدة كامب ديفيد وبعدها قام الرئيس السادات بحل مجلس الشعب وتم اعتقاله في حملة سبتمبر 1981 مع عدد من قيادات السياسية. وبعدها بأيام تقدم الدكتور عماد جاد، عضو مجلس النواب، والقيادي بالمصريين الأحرار باستقالته رسميًا، من حزب المصريين الأحرار، بعد فترة من تجميد عضويته بناء على رغبة من المهندس نجيب ساويرس مؤسس الحزب والذي كان تفاوض مع "جاد" لاستمراره بالحزب، مؤكدًا خلال نص استقالته أنه سيبلغ مجلس النواب باستقالته وتحويل صفته إلى مستقل. وفي يوم 9فبراير الجاري أعلن المستشار سرى صيام، عضو مجلس النواب المعين من جانب رئيس الجمهورية، استقالته من المجلس، مشيرًا في تصريحات له إلى أنه تقدم باستقالته، إلى مكتب الأمين العام لمجلس النواب، وتسلمها مدير مكتبه، مؤكدًا أنه قرار حاسم ونهائي. ولم تكن استقالة المستشار سري صيام، ومن قبله النائب كمال أحمد، أولى الاستقالات التي حدثت في تاريخ البرلمان المصري، بل إنها تستكمل سلسلة طويلة في حلقة الاستقالات من مجلس النواب على مدار 135 عامًا منذ انتخاب أول مجلس نيابي في مصر عام 1881. وفي هذا السياق، قال نائب دائرة الوايلى إبراهيم عبد الوهاب، إن استقالات النواب في البرلمان قليلة لا تتجاوز الستة مقارنة بعدد النواب الذين يتجاوزن ال500 عضو، وبالتالي لن يكون تأثيرها كبير على البرلمان وسير العملية التشريعية. أزمة أخرى شهدها مجلس النواب خلال الفترة الماضية، وهى واقعتا اعتداء من جانب بعض أمناء الشرطة على نائبين بالبرلمان، وبدأت بواقعة الاعتداء التي نشبت بين النائب محمد عبد الغنى وبعض أمناء شرطة بمطار القاهرة، ونزع كارنيه عضوية المجلس، والتعدي عليه بالأيدي، الأسبوع الماضي، والواقعة الأخرى مع النائب رائف تمراز، عن محافظة الشرقية الذي تعرض للسب والاعتداء اللفظي وتقطيع ملابسه بإدارة مرور الزقازيق. وبدوره قال رائف تمراز، إن النواب لن يصمتوا أمام هذه التجاوزات، وسيقدمون طلب إحاطة ضد وزير الداخلية إذا لم يحاسب الأمناء، خصوصًا أنهم السبب في النسبة الأكبر من الممارسات السيئة للشرطة، يجب على وزير الداخلية محاسبة أي متجاوز داخل الوزارة، حتى يكون عبرة لزملائه، ولو كان هناك حساب حاسم لأمناء الشرطة المتجاوزين في حق المواطنين طوال الفترة الماضية لما تكررت هذه الوقائع، ومن الضروري أن يعلم أمين الشرطة أن هناك جهازًا سيحاسبه إذا خرج عن النص وعن مقتضيات عمله. وأضاف تمراز ل"المصريون" أن أكثر من40 نائبًا سيتقدمون بمذكرة لوكيل المجلس بشأن التجاوزات التي حدثت من قبل أفراد الداخلية في تعاملهم مع النواب الفترة الماضية، لمطالبة المجلس بالتواصل مع اللواء مجدي عبدالغفار، وزير الداخلية، لوقف أمناء الشرطة عند حدودهم، أثناء التعامل مع النواب الذين يجب احترامهم باعتبارهم ممثلين عن الشعب، على حد قوله. وفي سياق متصل، أبدى النائب شرعي محمد صلاح، عن محافظة أسوان، انزعاجه الشديد من تكرار الاعتداء على نواب بالبرلمان من قبل أفراد بالشرطة، متهمًا وزير الداخلية بعدم القدرة على تحويل توصيات الرئيس بالحفاظ على كرامة المواطن إلى سياسات ملموسة على أرض الواقع، رافضًا التمييز بين النواب أو أي من المواطنين الذين يتعرضون لمضايقات أو تجاوزات من ضباط وأمناء شرطة. وأضاف صلاح ل"المصريون"، أن تلك التجاوزات والاعتداءات المتكررة من قبل أفراد الشرطة على المواطنين والأطباء ومؤخرًا بحق النائبين محمد عبدالغني ورائف تمراز خلال الأيام الماضية، تتطلب تدخلاً من رئيس البرلمان وهيئة مكتب مجلس النواب، لأنهم أصحاب الاختصاص والحق الأصيل في دفع أي مظالم تقع على النواب، خاصة في ظل عدم قدرة الأعضاء على تسخير ما يملكونه من أدوات برلمانية وطلبات إحاطة أو استجوابات في أي شؤون أو حوادث شخصية تعرضوا لها مهما كان حجمها. وتابع صالح أنه آن الأوان للتصدي لتلك الاعتداءات والتجاوزات التي أصبحت ظاهرة تثير القلق بين أطياف الشعب، وخاصة بعد ثورة 25 يناير التي قامت ضد انتهاكات الشرطة والاعتداءات المتكررة على المواطنين، وأنهم لا يضعون في بالهم أن لهم زملاء تحكمهم قيم كالرقي والتضحية والوطنية وصلت إلى حد استشهادهم، وأنهم بسلوكياتهم العنيفة يسيئون لدماء زكية بذلها أفراد بالشرطة تمت تصفيتهم بأياد غادرة.