يحرص النظام الحالى منذ مجيئه إلى سدة الحكم على مطالبة المصريين بالتقشف والصبر، ففى أكثر من لقاء يعبر الرئيس عبد الفتاح السيسى عن رغبته فى أن يتحمل المصريون معه الظروف الحالية، عن طريق التقليل فى النفقات، وتقبل سياسات الحكومة برفع الدعم عن الكهرباء والغاز والمياه والسلع الأساسية للمواطن. ومع المعاناة الحالية التى يعيشها المصريون، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى أنه لن يستطيع دعم المياه بعد الآن، وعلى المصريين أن يدفعوا، مشيرًا خلال افتتاحه عددًا، من المشروعات بمدينة السادس من أكتوبر، إلى أن الدولة لا تستطيع أن تقدم خدمة دعم المياه بعد الآن، ليس لأنها لا ترغب، لكنها لا تستطيع، قائلا: "عشان أوفر مية صحية ونقية للمصريين كل يوم بتكلف مصر 40 مليون جنيه فى اليوم".
وقال السيسي: "لازم نكون منتبهين والكلام ده للمسؤولين والمصريين اللى بيتلقوا الخدمة، ولازم نعرف واحنا بنفتح حنفية المية بتنزلنا منها بتكلف كام بحيث محدش يقول المية غالية عليا أو الكهربا غالية عليا".
وطالب المسؤولين: "اشرحوا للناس زى ما أنا بتكلم كده وتقوله متر المية اللى بيوصل لحضرتك ده بيكلفنى كذا وانت بتاخده بالتمن الفلانى والدولة لا تستطيع أن تستمر بالطريقة دي، هى مش عايزة، لكن هى متقدرش ومش فى استطاعتها إذا كنا بندور على الأجيال القادمة وحريصين على أحفادنا".
العجيب فى الأمر أنه كان فى نفس اليوم الذى تحدث فيه السيسى للشعب يشتكى من الصعوبات التى يواجهها الاقتصاد ومن ضيق ذات اليد وأنه لا يوجد أموال فى الدولة لتغطية احتياجات الناس وأن الشعب لا بد أن يتحمل وأن يضحي، شهدت التشريفة التى يدخل بها إلى الحفل بذخا شديدًا بداية من مشهد السجادة الحمراء الطويلة التى بسطت على الأرض لكى يمر من فوقها موكب سيارات الرئيس فى طريقه للاحتفال، واختلفت التقديرات فى حساب ثمنها، البعض قدرها بمئات الآلاف من الجنيهات والبعض قدرها بعدة ملايين، وهو الأمر الذى لا يستقيم ويتعارض كليًا مع مطالبة السيسى بالتقشف.
الغريب فى الأمر أن مطالبة الرئيس بالتقشف اقتصرت فقط على محدودى الدخل والمصريين البسطاء، ولم تشمل مؤسسات النظام التنفيذية والتشريعية والقضائية فى ظل الزيادات المستمرة للوزراء والقضاة ورجال الشرطة.
لم تقتصر الزيادات المستمرة على الحكومة فقط أو مؤسسات الدولة فحتى نواب الشعب الذين جاءوا للتخفيف عن معاناته سعوا لأن يكون لهم نصيب فى هذه التورتة على الرغم من حالتهم الميسورة، فمعظمهم رجال أعمال ومن أصحاب الطبقة الثرية، حيث أثار إعلان مجلس النواب زيادة المكافآت الشهرية لأعضاء البرلمان بنسبة 25 %، الكثير من الجدل فى ظل المطالبات المستمرة من الرئيس عبدالفتاح السيسى للشعب بالتقشف وتقليل النفقات.
وبحسب لائحة البرلمان الداخلية، فإن راتب البرلمانيين سيرتفع بقيمة 10% بشكل سنوى أيضًا، وهذا يتضمن احتساب المكافآت التى يحصل عليها العضو وكل البدائل المالية مقابل العضوية والمشاركة فى البرلمان واللجان الداخلية، وبهذا فإن راتب النائب سيصل إلى 42 ألف جنيه معفى من الرسوم والضرائب، بعد أن كان فى السابق يبلغ قيمة 11 ألف جنيه.
وهناك بدلات أخرى يحصل عليها عضو البرلمان، تتضمن وجبة غداء بسعر 20 جنيهًا، وللنائب البرلمانى حق اقتراض بحد أقصى 50 ألف جنيه يتم سدادها من مكافآته الشهرية.
ومن الامتيازات الأخرى التى وفرها القانون للنواب استخراج اشتراك فى الدرجة الأولى الممتازة بالسكك الحديدية لكل عضو.
وبحسب باسم كامل، النائب فى برلمان 2012، فإن راتبه آنذاك كان حوالى 10925 جنيهًا شهريًا.
وأكد كامل أن مرتب النائب كان 7925 جنيهًا شهريًا + 150 جنيهًا للجلسة العامة +75 جنيهًا لجلسات اللجان، أى نحو3000 لحضور الجلسات شهريا، بما يعادل 11 ألفا شهريًا. وكشف مصدر بمجلس النواب، أن هناك حالة من الجدل داخل البرلمان بسبب هذه الزيادة، موضحًا أن هناك حملة من عدد من الأعضاء لمواجهة ورفض الاقتراح الخاصة بزيادة رواتب النواب.
وتساءل: "كيف نطالب الشعب بالصبر والتقشف، وتتم الآن زيادة فواتير المياه والكهرباء فى حين نسعى نحن كنواب للشعب عن زيادة مكافآتنا رغم يقيننا الكامل بأن العمل العام هو تطوعي".
وأضاف: "هذه الزيادة لا مبرر لها فى الوقت الحالي، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد"، موضحًا أن هذه الزيادة ستؤدى إلى سخط الشعب على النواب، خاصة أن هؤلاء الأعضاء من أصحاب الدخول المرتفعة ولا يحتاجون إلى مثل هذه الزيادة.
وأشار المصدر إلى أن المادة المستحدثة رقم 384 باللائحة المقترحة، سيتم التصويت عليها فى جلسة عامة، خلال الأيام القادمة.
وقال الدكتور سمير غطاس، النائب البرلماني، إن زيادة رواتب النواب جرى بناء على قرار من المجلس بتشكيل لجنة منبثقة منه لإعداد اللائحة الداخلية الخاصة بالبرلمان، مشيرا إلى أن زيادة الرواتب من ضمن اللائحة.
وأكد النائب البرلمانى ل"المصريون" أن زيادة الرواتب مازالت مشروع قانون، ولم يُتخذ فيه قرار بعد، موضحًا أن المشروع سيتم عرضه فى جلسة عامة على البرلمان، والذى سيقرر إما الموافقة أو التعديل أو الإلغاء، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن زيادة رواتب النواب بنسبة 25% لا تستدعى ذلك الجدل المثار حولها، حيث إنها نسبة قليلة مقابل المجهود الذى يبذله النواب فى البرلمان، مشددا على أنهم لم يحصلوا على رواتبهم حتى الآن.
واعتبر الدكتور مختار الغباشى نائب رئيس المجلس العربى للدراسات السياسية و الاستراتيجية، سعى الدولة لزيادة رواتب بعض المؤسسات وفى المقابل رفع الدعم عن السلع، بأنه يعبر عن سياسة خاطئة يمارسها النظام، موضحا أن النظام يريد حل الأزمة من قلبها، ومعالجة العجز المالى الذى يعصف بالبلاد لإرضاء الموظفين الكبار، إلا أنه بدلا من حلها عقدها، على حد تعبيره.
ورأى غباشي، أن زيادة بعض مؤسسات الدولة، خرجت عن أطر الحدين الأدنى والأقصى للرواتب، مشيرا إلى أن الدولة فى الوقت الذى تسعى فيه لرفع الرواتب ورفع الدعم عن السلع، توجد بعض المؤسسات واللجان مرتبات موظفيها بالمليارات، رغم أنها غير مفعلة، مدللا على ذلك بلجان فض المنازعات، مطالبا الحكومة بإلغاء بعض المؤسسات التى ليس لها قيمة لتوفير النفقات.