فى مقالى أمس طرحت عدداً من التساؤلات حول أزمة سد النهضة الأثيوبى وتداعياتها الحالية والمستقبلية على مصر .. كما كشفنا من واقع الدراسة المهمة التى أعدها الباحث الدكتور عماد حمدى بعنوان " الموقف التفاوضي المصري في أزمة سد النهضة .. التحديات والخيارات " أن محادثات سد النهضة الإثيوبي بين مصر، والسودان، وإثيوبيا وصلت إلي مرحلة حرجة بإصرار حكومة أديس أبابا علي مواصلة أعمال البناء، دون انتظار نتائج الدراسات الفنية التي من شأنها تحديد آثار بناء السد علي مصالح دولتي المصب، علي الرغم من أن التقارير والدراسات الفنية الأولية تلمح إلي أن سد النهضة الإثيوبي يحمل في طياته العديد من المخاطر والتداعيات السلبية علي الأمن المائي المصري من ناحية، وعلي أمن إقليم حوض النيل بشكل عام من ناحية أخري. وكشفنا عن التحديات التى تواجه المفاوض المصري والتي تؤثر في قوة موقفه، وتجعله باستمرار تحت ضغط خلال المحادثات.
اليوم .. نكشف ومن واقع الدراسات المتخصصة السابق الإشارة اليها ووجهات نظر الخبراء والمتخصصين أنه أمام المفاوض المصري مجموعة من البدائل يمكنه اللجوء إليها، حال فشل المفاوضات مع الجانب الإثيوبي، وهي النتيجة الأكثر احتمالا، إذا ما أصرت أديس أبابا علي موقفها من تعطيل إجراء الدراسات الفنية، والاستمرار في بناء السد، أبرزها ما يأتي: 1- السعي إلي دفع المفاوضات في المسار السياسي، من خلال مبادرة يقودها رئيس الجمهورية، يدعو خلالها كلا من رئيس الوزراء الإثيوبي، والرئيس السوداني إلي قمة ثلاثية بغرض وضع حد للخلافات بين أعضاء الفريق التفاوضي، وإعطاء دفعة للمفاوضات من ناحية المسار الفني، وتكليف الخبراء الدوليين، أعضاء اللجنة الثلاثية الدولية الذين وافقت عليهم الدول الثلاث من قبل عام 2012، باستكمال الدراسات الهيدرولوجية، والبيئية، والإنشائية للسد. ويتم عرض نتائج الدراسات علي وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث للتوافق حول النتائج والتوصيات، والتوصل إلي اتفاق نهائي لحل هذه الأزمة. 2- اللجوء إلي أدوات القانون الدولي المتعارف عليها في حل النزاعات الدولية، كالمساعي الحميدة، والوساطة، والتوفيق، والتحكيم الدولي. وعلي الرغم من أن هذه الأدوات تتطلب موافقة الطرفين، وحيث إنه من المتوقع رفض إثيوبيا لأي منها، فإن سعي مصر الجاد لاستخدام أي من هذه الطرق المتبعة دوليا بحسبانها، دولة ساعية للسلام، وحريصة علي الحفاظ عليه، سيفضح نيات إثيوبيا الحقيقية أمام المجتمع الدولي من وراء بناء السد، ويضع المفاوض الإثيوبي تحت ضغط وحرج دائمين خلال جولات المفاوضات. 3- اللجوء إلي مجلس السلم والأمن الإفريقي للبحث عن تسوية إفريقية للأزمة علي أساس أنها تهدد الأمن الإقليمي في منطقة حوض النيل، وتسهم في إشعال الصراعات علي المياه، إذا ما لجأت باقي دول المنابع لتقليد إثيوبيا في بناء السدود. 4- التحرك في مسارات متوازية دولية لإثبات ضرر السد المدمر علي كافة أوجه الحياة في مصر، بيئيا، وزراعيا، وأمنيا، واقتصاديا، والاستعانة بآراء الجمعيات المدافعة عن البيئة، والأخري المدافعة عن السلام وحقوق الإنسان، والتدليل علي ذلك بتقارير معتمدة من منظمة الزراعة والغذاء العالمي (الفاو) لبيان أثر ذلك علي الأمن الغذائي في مصر، من أجل خلق رأي عام عالمي داعم للموقف المصري. 5- اللجوء إلي محكمة العدل الدولية، استنادا إلي الاتفاقيات الدولية المعنية بمياه الأنهار الدولية، وعلي رأسها الاتفاقية التي أقرتها منظمة الأممالمتحدة عام 1997، الخاصة باستخدامات النهر دوليا، لطلب الفتوي بأحقية مصر في حصتها التاريخية الثابتة من مياه النهر، استنادا إلي المواثيق الدولية، من خلال إحدي المؤسسات الدولية المعترف بها، كجامعة الدول العربية، أو الاتحاد الإفريقي، أو "الفاو".
6- التوجه إلي مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف أعمال البناء في السد لحين إتمام الدراسات الفنية، حتي لا يؤدي التوتر الذي خلفته الأزمة إلي اشتعال الصراع، بما يهدد السلم والأمن الدوليين.
وفى النهاية اقول : بعد كل ما ذكرناه من كوارث ومخاطر ونتائج سلبية سوف تلحق بمصر من جراء مشروع سد النهضة خاصة فى ظل تعثر المفاوضات وعدم وجود وضوح تام بشأنها , وفى ظل تزايد المخاوف الشعبية بسبب هذه الأزمة فى ظل العشوائية التى تتعامل بها مصر فى هذه القضية .. يجب أن نطرح عدة تساؤلات منها : ما هى البدائل المتاحة أمام مصر اذا فشلت المفاوضات ؟ وهل هذه البدائل مضمونة للحفاظ على الحقوق المائية لمصر ؟ وما هى طبيعة هذه البدائل ؟ وهل وضعت الجهات الرسمية والسيادية سيناريوهات لمواجهة كل الإحتمالات التى قد تحدث فى هذه الأزمة ؟ .