اللغة العربية لغة القرآن وتراثنا الجميل يتجسد فيها البيان العذب المشرق والمعانى الراقية وتبرز فيها البلاغة وسماها القرآن الكريم اللسان العربى المبين. ولقد صمدت خلال القرون الطويلة وقطعت مراحل حضاريةً وفكرية لم تقطعها اللغات الأخرى فى طول عمرها وعطائها وقدرتها، فهى لغة زاخرة بالكنوز الثمينة فنجد مفرداتها وفيرة، وكل مرادف ذو دلالة جديدة فما من حيوان أو جماد أو نبات إلا وله الكثير من الأسماء والصفات مما يدل على غنى هذه اللغة الرائعة. ومن بدائع حكمته سبحانه، أن جعلها أيضاً لسان أهل الجنة والاهتمام باللغة والحرصُ عليها واجب، ولكن للأسف نجد الشباب فى العصر الحالى يتحدثون بلغة تحتوى على لغويات مبهمة وألفاظ دارجة تافهة لا يمكن قبولها فى مجتمع شرقى مرآته الثقافة والقيم والعادات والتقاليد. ويعد الفراغ الاجتماعى والثقافى والفكرى والفجوات بين الأجيال المختلفة، من أهم أسباب انتشار ظاهرة الانحدار اللغوى واتجاه قطاع عريض من الشباب لخلق لغات مختلفة غير المتعارف عليها فى التعامل فيما بينهم. تارة على سبيل التباهى وتارة أخرى على سبيل التمرد. مثال "كحرتة، كنسل، السلنتح، روش، طحن، تيت، بلحة، خنيقة، لول، فكك"... كذلك نجد عددًا كبيرًا من الشباب والشابات يستخدمون الآن لغة غريبة هى الفرانكو عرب وهى لغة مختصرة تجمع بين العربية والإنجليزية وهى عبارة عن رموز معينة تحمل مدلولات جديدة للحروف فمثلا الرقم 2 يعنى الحرف أ ورقم 3 يعنى الحرف ع ورقم 5 يعنى الحرف خ وهكذا يتم تحويل حروف الكتابة العربية إلى إنجليزية فمثلاً عندما ترغب كتابة كلمة كيفك فيتم كتابتها بهذه الطريقة KefeK وهكذا يتم استخدام هذه اللغة المختصرة فى المحادثات. تحدث ل"المصريون" الدكتور محمد صلاح الجمالى عضو مجلس إدارة جمعية حماة اللغة العربية عن مدى خطورة هذه الظواهر الغريبة بما تحويه من كلمات وألفاظ دخيلة قائلا: أنا أحب أن اطمئن الناس بأن لغتنا بخير برغم كل شىء فقد استطاعت لغتنا العربية أن تصمد وتتجذر وتتطور وتواكب كل جديد رغم التجهيل الذى تعرضت له عبر التاريخ من الذين مرّوا على منطقتنا منذ القديم وحتى الآن وحاولوا بكل الطرق والوسائل تدميَر حضارتنا وثقافتنا وتراثنا وتاريخنا والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، ولقد حبانا الله سبحانه بهذه اللغة الجميلة سهلةِ النطق والفهم، القادرةِ على التعبير والتمثيل وكانت على مرّ العصور الحامل الأهم لثقافتنا، وقد كرمها الله جلّ وعلا وحفظها من كل سوء وتهمة وباطل بأن جعلها لغة القرآن الكريم، فقال فى محكم آياته: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}. ولكى تظل لغتنا بخير علينا أن نتكاتف من أجل بذل المزيد من الجهود والذى يتمثل فى الآتى.. لابد أن نجعلها اللغة الأولى فى الإعلانات والمخاطبات وفى قاعات الدروس فى الجامعات والمستشفيات والشركات والفنادق ووسائل الاتصال المختلفة، ونعمل على بث الوعى بأهميتها ووقفِ مد تيار المسميات والكلمات الأجنبية التى شاعت فى مجتمعنا وبين أبنائنا وفى مختلف ضروب الأعمال التجارية حفاظًا على الهوية الوطنية وتعزيزاً للغة فى نفوس النشء و لننظر إليه بعين العناية والرعاية والاهتمام، ولابد من الاهتمام بتدريس اللغة العربية كما ينبغى فى مراحل التعليم المختلفة وفقَ أوضح المناهج وأقْوَم الطرق خاصة مرحلة التعليم الأساسى وتأجيل تعليم اللغات الأخرى فى المراحل التى تعقبها حتى لا يحدث تشويش ولبس عند الأطفال. وأضاف الجمالى، أننا بنظرة بسيطة إلى مستوى خريجى الجامعات اليوم نجد أنهم يعانون من الأمية الثقافية وذلك يرجع إلى عدم الاهتمام بالتعليم الأساسى، أيضا وسائل الإعلام لا بد من توجيهها ومطالبتها بالحرص على استخدام لغتنا العربية حيث إنها تعد من أهم أسباب انتشار الانحدار اللغوى، حيث نجد نشرات أخبار كاملة باللغة العامية الدارجة وبرامج بمسميات أجنبية، كذلك نجد شيوع الأخطاء النحوية فى العربية الفصحى المستخدمة والتى هى ركيكة فى الأساس وشيوع الكتابة بالعامية فى المقالات والإعلانات وفى تقديم البرامج التليفزيونية والإذاعية، وكذلك كثرة استخدام المفردات الأعجمية فى ثنايا الخطاب الموجه إلى المتلقى وفى بعض الأحيان تنشر الصحف العربية إعلانات كاملة باللغات الأجنبية بل إن هناك مجلات عربية وبرامج إذاعية وتليفزيونية تحمل أسماء وعناوين غريبة مكتوبة بالأحرف العربية كذلك الأفلام الذاخرة بالكلمات الخارجة والألفاظ القبيحة وهى من أهم أسباب الانحدار اللغوى عند الشباب، مؤكدًا، ضرورة تفعيل قوانين حماية اللغة العربية، والتى كانت تجرم حتى تسمية المحلات والشوارع بمسميات غير عربية.