في العمل البرلماني في اي دولة ما يسمى بالأعراف البرلمانية وهي التقاليد البرلمانية المتعارف عَلَيْهَا ولا يتم النص عليها في الدستور او اللائحة الداخلية للبرلمان ولا يتم مخالفتها الا في حالات نادرة جدا وتكون تلك المخالفة محل استنكار نيابي وسياسي وشعبي، وهناك في العمل البرلماني ايضا ما يسمى بالسوابق البرلمانية وهي صدور قرارات تكون الاولى من نوعها لترسي سابقة في موضوع غير منصوص عليه في الدستور او اللائحة الداخلية للبرلمان وكذلك تعالج السوابق البرلمانية مواقف وحالات طارئة في العمل البرلماني والتشريعي والرقابي و لم يكن منصوص عليها في الدستور او في لائحة البرلمان الداخلية واتخذ المجلس فيها قرارا لمواجهة تلك المستجدات فأصبح قرار المجلس بمثابة سابقة يتم الاقتداء بها في المستقبل سواء في المجلس ذاته خلال انعقاده او في مجالس برلمانية تالية له . وفيما يتعلق بانتخابات رئاسة البرلمان المصري في العقود الماضية فانه من الاعراف البرلمانية ان يكون رئيس مجلس الشعب ( مجلس النواب حاليا ) في الأصل نائبا منتخبا ويتم انتخابه رئيساً للبرلمان من بين النواب المنتخبين وليس المعينين . ومن السوابق البرلمانية التي ألغت هذا العرف البرلماني ، ان تم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك انتخاب رفعت المحجوب رئيساً لمجلس الشعب عام 1984 رغم انه في الأصل عضو معين في البرلمان بقرار من رئيس الجمهورية ، واثارت تلك السابقة البرلمانية جدلا واسعا واعتراضات الكثيرين لان البرلمان المصري دائما في ظل النظام الجمهوري تحديدا يترأسه نائب منتخب يتم انتخابا رئيساً وليس معينا يتم انتخابه رئيساً للبرلمان . فالأصل ان يكون البرلمان منتخبا سواء الأعضاء او من يتولى مناصبه القيادية من رئيس ونواب واعضاء ورؤساء اللجان فالجميع يكونون منتخبون وليسوا من بين الأعضاء المعينين من قبل رئيس الدولة حتى لا يكون هناك تضارب مصالح بتولي العضو المعين منصبا قياديا في البرلمان والذي -حتما - سيكون تابعا للسلطة التنفيذية ورئيسها ، الذي قَام بتعيينه وسيعمل على رد الجميل لمن منحه الحصانة النيابية... وبالتالي يتحول البرلمان من سلطة رقابية على الحكومة الى غرفة من غرف السلطة التنفيذية ... وهَذَا يتعارض مع المبدأ الراسخ رسوخ النظم الديمقراطية والبرلمانية وهو ان البرلمان بمثابة ممثل الشعب الذي انتخب النواب وبالتالي من الواجب ديمقراطيا وسياسيا ان يكون رئيس البرلمان من بين النواب المنتخبين من الشعب وليس من بين الأعضاء المعينين من رئيس الجمهورية فبرلمان الشعب لا يترأسه الا من انتخبه الشعب . ومواد الدستور سواء الدستور الحالي او الدساتير السابقة جميعا تهدف الى تشكيل برلمان منتخب من الشعب وان الأصل فى عضوية النواب هي الانتخاب الحر المباشر من الشعب وان الاستثناء هو تعيين رئيس الدولة لعدد قليل جدا من الأعضاء لا يتجاوز 5 % من اجمالي الأعضاء المنتخبين ومنح الدستور البرلمان سلطة مراقبة إدارة الرئيس والحكومة للبلاد، وبالتالي فان ما يتسق مع روح الدستور هو ان يتولى نائبا منتخبا رئاسة البرلمان وليس عضوا معينا في الأصل من رئيس الدولة رئيس السلطة التنفيذية كما انه من الواجب سياسيا ان تكون وكالة البرلمان ورئاسة لجانه من بين النواب المنتخبين وليس المعينين لضمان إستقلالية اكثر للبرلمان عن الحكومة وليستطيع ممارسة دوره الرقابي بامتياز ولا يتم تكبيل البرلمان بأعضاء معينين من الرئيس فيتم انتخابهم في مناصب قيادية في البرلمان وتصبح ميولهم حكومية اكثر منها شعبية وهذا يضر بالنظام البرلماني والديمقراطي كثيراً ويفقد الناس الثقة في البرلمان الذي تم انتخابه من الشعب فكان صوتا للحكومة وليس صوتا للشعب . ويخشى المراقبون من مخاطر رئاسة العضو المعين للبرلمان حتى ولو جاء الى سدة رئاسة المجلس بطريق الانتخاب من أعضاء البرلمان فهو في الأصل عضو معين من السلطة التنفيذية وليس عضوا منتخبا ، ورئاسة المعين لبرلمان منتخب يجعل المجلس في جيب الحكومة يأتمر بأمرها وينتهي بنواهيها، طالما ان من يتولى رئاسة المجلس في الأصل هو عضو معين من قبل رئيس الدولة الذي هو رأس السلطة التنفيذية ، كما انه حدث في السابق ان السلطة التنفيذية لم تكتف بتولي عضو معين وليس منتخبا رئاسة مجلس الشعب ، بل كانت تدفع بنواب معينين لمنصب الوكيل الاول ومناصب عضوية ورئاسة اللجان البرلمانية وهو ما جعل مجالس الشعب السابقة تسير في ركاب الحكومة والسلطة التنفيذية وتغليب مصالح الحزب الحاكم على حِسَاب مصالح الوطن والمواطنين .
* باحث وصحفي عضو نقابة الصحفيين عضو اتحاد الصحفيين العرب