منذ الأسابيع الأولى للثورة كنت أرى أن منظومتى القضاء والجامعة هما نقطة البدء الصحيحة فى طريق إصلاح بنية المجتمع المصرى، وأتعجب من سهوى آنذاك عن منظومة ثالثة، تشكل مع تلك الاثنتين الأسس الأولى بالاهتمام لدفع طاقة إيجابية بناءة ذات قدرة على الحركة ذاتيًا، فى مجتمع مصر الجديد، وتلك هى المؤسسة الدينية..فإن الكثيرين يعوِّلون على قوى ومنظمات المجتمع المدنى، لرقى المجتمع، إلا أن هذا المنطق يفتقد بعض الواقعية فى ظروفنا الحالية، ولسنين قادمة، فنحن فى مرحلة ترميم وإصلاح بنية هذا المجتمع، وهو ما يتطلب النظر فى أسسه أولاً، وما اللغط الثائر حاليًا عن منظمات المجتمع المدنى إلا دليل على ذلك، فى حين تستطيع المنظومات الثلاث المشار إليها أن تحقق الكثير من المأمول. فمنظومة قضائية تامة الاستقلال نظريًا وواقعيًا هى حجر الزاوية فى تحقيق التوازن بين المواطنين باختلاف درجاتهم وإمكاناتهم، بمعنى ضمان استقرار المجتمع بضمان العدل فيه، والعدل أساس تحقق جميع القيم العليا الأخرى، بما فيها قيم الحرية، ومبادئ وقيم العدالة الاجتماعية، وهو أساس الملك كما نردد. والمنظومة الثانية هى منظومة الجامعة، التى يخرج منها الشباب صاحب الثورة، وتخرج منها جميع العقول والمهارات والإمكانات التى يتم بها بناء باقى عناصر المجتمع وتحقيق المستقبل المنشود، وإن لذلك أساسين، هما أولاً الحرم والمناخ الجامعى الصحى، والمحقق، نظريًا وواقعيًا، لما يجب له من مهابة وجلال، و ثانيًا الأستاذ الجامعى الذى يقف أمام طلابه ليوجههم نحو كل التوجهات المأمولة، هذا الأستاذ الذى لابد له من حياة كريمة، وإمكانات ضرورية، قبل أن يقوم ليشكل لنا العقول والسواعد التى ستبنى. أما المؤسسة الدينية، ممثلة فى الأزهر باعتباره المنظومة الأساسية الثالثة، فقد نجح الأزهر فى إبراز قدرته على توجيه المجتمع من خلال عدد من المواقف والأعمال ذات الأثر، التى تمت فى شهور ما بعد الثورة، كان أبرزها وثيقة الأزهر، وإن لشعب مصر حاجة للأزهر، فكلما ردد علماء الاجتماع أن هذا شعب متدين بالفطرة، صار واجبًا دعم هذه المؤسسة، ويضاف إلى هذا أن دعم استقلال الأزهر التام، سوف يُرشّد التيارات الدينية الأخرى، والحاجة إليه تشتد مع تكون البرلمان، وما ينتظر فيه من بعض المواقف التى قد تجرى لنقص الخبرة السياسية لدى البعض، وسوف يكون الأزهر المستقل مقبولاً على الفور كحكم ومرجعية لهذه التيارات ولبقية التيارات الأخرى، فى جميع مراحل الصراع التى سوف نمر بها لا محالة فى الشهور والسنين القريبة. إننا ونحن نتطلع إلى أول برلمان مصرى حر، نأمل فى أن يتم وضع أسس المجتمع المصرى الجديد.. إن قضاء مستقلاً غنيًا عن السعى المهين وراء سبل الحياة، هو ممر سريع نحو المستقبل، والحامى لهذا الممر، وذلك المستقبل، كما أن جامعة تتوفر لها جميع احتياجاتها، بأساتذة أغنياء عن السؤال، هى مصنع عقول وسواعد أبناء مصر الذين سيبنون لها مستقبلها ويحمون وجودها، والأزهر القائم شامخًا فى قلب البلاد هو صِمام الأمان ضد شطط الفكر، وحائط الصد أمام فتن التقسيم، وهم معًا طوق النجاة الذى يجدر أن تتمسك به السلطة الحاكمة. د. مجدى هلال – جامعة بنها [email protected]