من في الدنيا كلها يصدق فرية أن المستشار هشام جنينة "إخواني"؟! الرجل كان ضابط شرطة، ثم وكيل نيابة ثم قاضيًا، ثم شغل أرفع منصب في أخطر جهاز رقابي أسس منذ أكثر من 60 عامًا! وإذا كان جنينة عين رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات في عهد الرئيس "الإخواني" محمد مرسي.. فإنه التحق في كلية الشرطة ثم انتقل من الخدمة كضابط إلى العمل في السلك القضائي، وذلك كله كان في عهود سابقة عن حكم الإخوان.. ما يجعل اتهامه بالأخونة، "عبطًا" لا يردده إلا المساطيل! ثم إن الانتماء السياسي أو الأيديولوجي إن وجد ل"جنينة"، ليس له علاقة بما يعلنه من وقائع فساد مروعة، فليكن ما يشاء إخوانيًا أو سيساويًا، فهذا ليس سببًا في أن تبلع الدولة لسانها وتسكت على ما أعلنه.. أو أن "تطوّل" لسانها على الرجل وتشتمه عبر وكلائها وعملائها على فضائيات الأجهزة الأمنية. الجهاز المركزي للمحاسبات، يختلف في تقاريره عن كل الأجهزة الرقابية الأخرى، فالأخيرة عادة ما تكون تقارير أمنية مرسلة خالية من المستندات والوقائع قطعية الثبوت والدلالة.. وعادة ما يتجاهلها القضاء، ولا يعتد بها كوثيقة اتهام.. بينما تقارير المركزي للمحاسبات، لا تصدر إلا مدعمة بالوثائق والمستندات. والأخطر.. أن الجهاز يراقب الإنفاق الحكومي، أي يبسط عباءته الرقابية على كل مؤسسات الدولة، بما فيها ما تطلق على نفسها ادعاء وترويعًا للناس اسم "أجهزة سيادية".. ولعل ذلك هو ما أوجع باشاوات تلك الأجهزة، وبدلاً من أن ترد عليه وتحاسب وتعيد المال المهدر إلى خزينة الدولة، تسلط عليه كل من قبل لنفسه أن يلحق بحظائرها وينهش لحم وعرض وسمعة المستشار هشام جنينة! الأكثر خطورة أن المركزي للمحاسبات تحدث عن "فساد مالي" داخل مؤسسات مهمتها مكافحة الفساد.. أو قيمة على تطبيق القانون والعدالة.. أو حماية الأمن القومي المصري.. وهذه هي المفارقة التي تثير غضب وسخط الرأي العام. والحال أن المسألة من المفترض أنها تتجاوز أزمة جنينة مع الفساد الذي بات كما يصفه البعض "مؤسسة عظمى".. من المفترض تتجاوز إلى فتح ملف سكوت منظومة مكافحة الفساد في مجملها، على نهب البلد في عهد مبارك، وخروج المليارات من مصر، تحت سمع وبصر هذه المنظومة، فيما كانت تستأسد على مدير عام أو وكيل وزارة غلبان، تضبطه بثلاث حبات فياجرا، بوصفها رشوة جنسية! المشهد الحقيقي والذي يتخفى وراء هذا الصخب والشوشرة والزعيق والصوت العالي والشتائم وقلة الأدب التي نراها على شاشات السواريه الأمنية.. هي أن هشام جنينة بعد انكسار مسار ثورة يناير مؤقتًا بات وحده أمام حيتان ووحوش وسدنة وحراس الدولة العميقة التي يجري في عروقها المال الحرام مجرى الدم، ومستعدة لاستباحة أي إنسان يقترب من ملفاتها حتى لو بالتلميح وليس بالتصريح. من الخطأ أن ينظر إلى تلك المعركة، بوصفها معركة جنينة وحده.. إنها معركة ثورة يناير ومعركة مصر الوطن ضد من حلبوها ونهبوها.. وجعلوها تمد أيديها لطوب الأرض. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.