(ابك مثل النساء ملكاً لم تحفظه حفظ الرجال). كلمات نازفة سجلها تاريخنا لعائشة الحرة لتعاتب ابنها ابن عبد الله محمد الثانى عشر النصرى الملقب بالصغير، وهو صغير فعلاً، وهو آخر حكام غرناطة آخر معاقل الأندلس؛ عندما وجدته يبكى ضياع ملكه وملك أجداده العظام وضياع مجد أمته. وصارت مقولة تاريخية ترثى حال كل من أضاع ثمار نجاحه وإنجازه وإنجاز من سبقوه لتقاعسه ولأخطائه أو لغبائه ولقصر نظره السياسى والإدارى والاجتماعى. تذكرناها ونحن نتساءل بقلق: ما هو حصاد هذا الصراع والتلاسن والتراشق بل والاتهامات لدرجة التخوين والعمالة بين القوى أو اللاعبين الأربعة على المسرح السياسى المصرى؛ والذى امتد إلى بلاد الربيع العربى الثورى؛ وهم الإسلاميون والليبراليون والثوار والمجلس العسكرى؟! غبارٌ على المسرح: وهذا التراشق بين المعسكرات الأربعة يزيده تخوفات وتصريحات تصدر من كل معسكر؛ فتشعلها وتضخمها وسائل الآلة الإعلامية خاصة مَكْلَمَات (التوك شو) التى ابتلينا بها؛ فلا يقلل من آثارها المدمرة على حبال الثقة بعض التبريرات التى حفظناها مثل: هذا تصريح لا يلزم إلا قائله!. هذا رأى شخصى وليس رسمياً!. هذا اجتزاء بعيد عن سياق قائله!؟. مدمرات المناخ: ولعل من أخطر العوامل التى تعكر صفو الأجواء؛ هو ما قرأناه فى مقال مرعب لأحمد منصور فى (التحرير) تحت عنوان (المهمة الحقيقية لحكومة الجنزورى)؛ ملخصه أن رئيس حكومة تونس المؤقتة السبسى، وهو أحد رجال بورقيبة المخضرمين، قد اعترف له بأن كل الانتخابات التى جرت فى عهد بورقيبة وبن على هى مزورة، وأن المهمة الأساسية لحكومته هى وضع خطة الطريق لتحديد مسار الحكومة القادمة من بعده لخمس سنوات على الأقل؛ فقضى عشرة أشهر يضع القيود الاقتصادية السياسية لمن سيأتى من بعده، لإغراق البلاد فى الديون، وتقييدها بالاتفاقيات، وبزيادة رواتب كل موظفى الدولة زيادة تُقدّر بمليار دينار تونسى فى وقت تواجه فيه الموازنة حالة كارثية، وبترقية معظم موظفى الدولة، حتى الضباط المتهمين بقتل الثوار، وبتغييرات فى السلك الدبلوماسى لا تتغير إلا بعد أربع سنوات. وهذا يؤكد باختصار أن المهمة الحقيقية للجنزورى فى مصر هى نفسها ولعل من يراجع بيان الجنزورى يوم 28ديسمبر، واعتراض معظم الخبراء الاقتصاديين والقوى السياسية خاصة الإخوان يؤكد أنه ينفذها؟! زفرة العربى الأخيرة: وهنا تذكرت لقطة تاريخية دامية؛ لما ذاعت أخبار تسليم غرناطة وشروطها المهينة سخط المسلمون على أبى عبد الله الصغير، فاستعد للرحيل، وفى نفس اليوم الذى دخل فيه النصارى غرناطة، غادر قصره وموطن عزه ومجد آبائه، وتقدم نحو فرديناند ومد إليه مفاتيح الحمراء. وتقول إحدى الروايات إنه رجا فريدناند أن يغلق الباب الذى خرج منه لآخر مرة حتى لايجوزه من بعده إنسان، وغادر المكان، حزينا حتى وقف فوق الصخرة وأرسل إلى الحمراء النظرة الأخيرة وأجهش فى البكاء, فعاتبته أمه كما ذكرنا.. ولا تزال هذه الصخرة فى أسبانيا وتسمى (زفرة العربى الأخيرة)؟! هذا... وإلا فسنزفر جميعاً: ولعلنا اليوم فى حاجة ماسة لرجل رشيد أو جماعة أو حزب من اللاعبين الأربعة؛ فيفسر لنا ما يحدث على المسرح من تآمرات بحجة الأصابع الخفية أو اللهو الخفى؛ الذى تسبب فى مذبحة التحرير يوم 19 نوفمبر وما تلاه من مذابح فى شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، ولا ندرى ماذا تحمل لنا الأيام المقبلة والحبلى بالأحداث الضبابية؟! ثم يبادر فى عملية مد الجسور مع اللاعبين الآخرين ليتفقوا معاً على كيفية الخروج من حالة التشرذم السياسى الحالي، ولإجهاض هذه المهمة السبسية الجنزورية؛ وإلا فسنظل نتفرج على هذا الصراع لتضيع معه ثورتنا على أيدى ما يدبر لها؛ حتى يطلق كل منا (زفرة التحرير الأخيرة؟!). د. حمدى شعيب [email protected]