قال عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة "الشروق" إن الرشاوى الانتخابية التى شهدتها جولات الانتخابات البرلمانية تعد خطرًا حقيقيًا يحدق على البرلمان المقبل خاصة بعد زيادة نسبة الرشاوى والتى كانت على مرأى ومسمع من الجميع دون وجود حد لتوقفها. وأضاف حسين فى مقاله اليومى: " لال الأسبوعين الماضيين قابل أكثر من مسئول كبير فى الحكومة والدولة وكانت الانتخابات وما حدث فيها هى الموضوع الرئيسى فى النقاش. أحد المسئولين الذين أقدرهم كثيرا قال لى: والله أنا مكسوف مما حصل من رشاوى انتخابية غير مسبوقة. مسئول آخر، قال: نحن تعودنا منذ زمان بعيد على هذه الرشاوى، لكنها لم تكن بمثل هذا التغول والفجر والبجاحة، كانت تحدث فى بعض الدوائر القليلة، لكنها هذه المرة صارت السمة المميزة والبارزة للانتخابات. مسئول ثالث قال لى: كنا معتادين على قيام بعض أجهزة الحكومة على التزوير الفج للانتخابات، وتسويد الصناديق، الآن تخلصنا من هذه الآفة بفضل التعديلات الأخيرة، لكننا لم نكن ندرى أن «التزوير الأهلى»، أسوأ مليون مرة من التزوير الحكومى القديم، على الأقل كان يتم من خلف الستار فى معظم الأحوال. وتابع حسين " إذا كان هذا هو كلام بعض المسئولين فى الحكومة، فكيف نتصور شعور المعارضين والمحبطين أو المقاطعين أو اليائسين من مجمل العملية السياسية؟. الخطأ القاتل الذى وقعت فيه الحكومة هو اعتقادها أن مجرد عدم التدخل الإدارى بصورته القديمة يبرئ ساحتها من كل ذنوب العملية الانتخابية. لماذا هو خطأ قاتل؟! لأن الأمر ببساطة أن الرشاوى الانتخابية بصورتها الأخيرة تشبه المرض الخبيث الذى سيدمر جسد البرلمان بأكمله لا قدر الله. لن يستطيع الكثيرون منع المعارضة من التشكيك فى مشروعية البرلمان القادم المبنى بالأساس على جزء كبير من النواب الذين نجحوا بأموالهم فقط. المشكلة ليست فقط فى النائب الذى اشترى الكرسى، ولكن فى الناخب الذى باع ضميره وشرفه وقبل أن يرتشى بخمسين جنيه أو بألف، بكرتونة زيت وسكر وأو شريط ترامادول وحبة فياجرا، أو بأحدث الرشاوى والصيحات المتمثلة فى الأرز والفسيخ خصوصا فى اليوم الأخيرة من جولة الإعادة الأربعاء الماضى. للمرة الأولى نرى طوابير تتسلم رشاوى علنية، وهم يدركون أن الكاميرات تصورهم. للمرة الأولى يدخل ناخبون ويدلون بأصواتهم، ثم يذهبون إلى القاضى ويطلبون منه ثمن الصوت، معتقدين أن الأمور صارت «سداح مداح». الكوميديا السوداء التى حدثت فى اللجان الانتخابية، قد تكون عائدة إلى «جهل وغلب» بعض الناخبين المطحونين بالفقر والمرض، لكنها تكشف أيضا عن أن غالبية الناس لم تعد تخشى شيئا، مات ضميرها أو انكشف فقرها، فرأينا هذه الدمامل!!. أحد الناخبين دخل لجنته وبدلا من اختيار مرشح كتب فى خانة إبداء الرأى: «أنا اخذت فلوس من المرشحين الاتنين!!». هل فكرنا فى نوعية الأعضاء الذين دخلوا البرلمان باموالهم فقط، وهل فكرنا كيف سيكون أداؤهم البرلمانى، ولمن سيكون ولاؤهم، للنشيد الوطنى الذى سيقولوه بأفواههم، أم لمن مول حملاتهم الانتخابية، سواء كانت جماعات ضغط «لوبيات» أو عائلات أو أحزاب أو رجال أعمال؟!. الذى حدث فى الانتخابات الأخيرة سيظل سبة فى جبين البرلمان، وكل من شارك فى مهزلة شراء وبيع الأصوات، وللأسف حتى من فاز بجهده وعرقه وخبرته وتاريخه سيناله بعض الرذاذ المتطاير من وحل الرشاوى الانتخابية. السؤال الذى ينبغى أن يشغل الحكومة وسائر أجهزة الدولة هو الآتى: كيف يمكن تقليل وتغيير هذه الصورة المأساوية للبرلمان الذى قلنا إن دوره تاريخى فى نقل مصر إلى مرحلة جديدة؟!هل هناك أمل فى تغيير هذه الصورة إلى الأفضل قليلا؟...الله أعلم.