فى بعض مراكز التفكير الأمريكية ( (think-tankولدت فى العقدين الأخيرين فكرة ...ومضمونها : (لا نريد أن نخطئ الخطأ الإيرانى مرتين ) وذلك أن "الإدارة الأمريكية امتلكت المعلومات التى تؤكد اقتراب "ثورة شعبية" ولكنها ظلت تناصر الديكتاتور "محمد رضا بهلوى" شاه إيران , حتى ثار الشعب بقيادة "الملالى"ضده ...وضد "أمريكا" , ثم أخطأ الأمريكان – ثانية –بمعاداة الثورة واتباع سياسة (خنق الثورة) , فدشن الإيرانيون سياسة (تصدير الثورة) ؛ أى دعم كل الثائرين ضد المصالح الأمريكية والنظم التابعة لها , وظلت المعركة الشرسة حتى رفعت "أمريكا" الراية البيضاء وطالبت بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع "إيران". بلورت "مراكز التفكير" بعد ذلك فكرتها بعد ما رصدت تقدم القوى الإسلامية فى المنطقة العربية , وتقديم نفسها كبديل موضوعى للأنظمة الفاشلة , ورأت التفاف الجماهير حولهم فى أى انتخابات حرة ....وهنا سألوا سؤالهم الشهير: (ولماذا لا ؟ .(why not?)...... أى لماذا لا نتعامل مع الإسلاميين حتى لا نخطئ خطأنا فى "إيران" مرة أخرى ؟ حينئذ بدأ التفكير يتطور إلى سؤال كبير وهو : ماهى سياستنا إزاء الإسلاميين إذا أوصلتهم الشعوب إلى الحكم ؟ أما الإجابة فكانت سياسة مقترحة يمكن وصفها بأنها : (سياسة الخطوات الأربعة ) وخلاصة محاور هذه السياسة كالآتى: أولا : الخطوة الأولى :التحول إلى (دولة) بصياغة أمريكية . وذلك حيث يرى المفكرون الأمريكان أن تحول الإسلاميين من (حركة) إلى (دولة) سيكون مستحيلا دون الدعم الأمريكى , وإلا ستظل المعوقات فى طريق الإسلاميين إلى الأبد !! , ولأن الإسلاميين "براجماتيون" – هكذا– ويشغلهم النجاح فى مهمتهم الجديدة فإنهم سيسمعوننا , ثم سيطلبون عوننا , وعلينا ألا نتردد فى دعمهم .....بشروطنا , ويسهل حينها وضع البصمة الأمريكية على اختياراتهم , ومن ثم توجيه قرارهم...هكذا يتحدثون. ثانيا: الخطوة الثانية : غلق مسارات العلاقات الدولية إلا بالإذن الأمريكى. وذلك حتى تفشل حكومات يقودها الإسلاميون فى إنجاح مشروع "نهضة وتنمية" , حيث أصبح التناغم مع الأسرة الدولية ركيزة جوهرية لنجاح "المشروع الوطنى" لأى دولة ...وبالتالى فإن الحصار السياسى سيعزل الاقتصاد الوطنى ويقزمه , وسيلقى "بالمشروع الوطنى" فى الحضن الأمريكى ل"تسليك" شرايين العلاقات الدولية , وحينئذ يمكن للأمريكيين إدراك مافاتهم من خسائر الخطوة الأولى والعودة إلى تحريك الإسلاميين فى إطار خارطة أمريكية.....ولا بأس هنا من تبادل المنافع على مائدة مفاوضات اعتدل فيها موقف الطرفين ؛ فكما أن الطرف الإسلامى محاط بالتأييد الشعبى , فإن الطرف الأمريكى يمتلك القرار الدولى.... ثالثًا: الخطوة الثالثة : إسقاط الإسلاميين ديمقراطيا . ومضمون هذه الخطوة أن الإسلاميين سيرثون أعقد مشكلات الاقتصادية والسياسية , وحل كثير من هذه المشكلات يتطلب سنوات طويلة من العمل الجاد , مثل مشكلات البطالة , ونشر العدالة الاجتماعية , وتوطين التكنولوجيا ووووإلخ , والشعوب تنسى من المتسبب الأصلى فى المشكلات , وتمسك بخناق الجالس على مقعد المسئولية , حينئذ ستهب جيوش (الإصلاحيين)المستندين على دعمنا- الأمريكى - وسنوفر لهم آفاقا من الدعم الدولى ليقدم نفسه باعتباره (المنقذ الاقتصادى) الذى يستلهم أوجاع الملايين وينطق باحتياجاتهم, ويسهل تصوير الحالة على أنها "فشل للتجربةالإسلامية" ,....... ولا يتعجب أحد أن يكون (الإسقاط الديمقراطى) للإسلاميين هى خطوة تصعيدية كبيرة ؛ لأن "العقائديين" إذا تم إسقاطهم سياسيًا فهم غالبًا لايعودون مرة أخرى لأسباب عديدة معروفة لعلماء الاجتماع والسياسة. أما إذا استطاع الإسلاميون – مرة ثالثة – التغلب على معجزة المشكلات الكبرى , مع ضمان التأييد الشعبى ...فأمام "الأمريكان" (المبررات) الجاهزة للانتقال إلى الخطوة الرابعة . رابعا: الخطوة الرابعة : سياسة الحذاء العسكرية الثقيلة. أى "التهديد العسكرى" , وذلك لسرعة فرض (الشروط الأمريكية) , وإعادة تصنيع "الدولة" وفق المصالح الأمريكية ....وطبقًا لمعاييرها , ودون مقاومة من أحد . هذه أفكار "المتحررين" من الأفكار السياسية العتيقة !..وهى كما ترى مازالت لها الرائحة الاستعمارية. ونلاحظ أن السياسة المقترحة ستكون موجهة للإسلاميين باعتبارهم : (حكومة ذات إرادة وطنية) وليس باعتبارهم : (مشروعًا إسلاميًا عابرًا ) لأن مواجهة "المشروع الإسلامى" لها أشكال أخرى من الصراع الشامل , وبالتالى فإن هذه المعركة ستواجهها (أى حكومة وطنية ذات إرادة مستقلة). والخلاصة أن "مراكز التفكير" الأمريكية ليس فيها متطرفون ومعتدلون , فمن أدناهم إلى أقصاهم تحكمهم استراتيجية واحدة وهى : (ضمان نفوذ أمريكى كامل على المنطقة , ودون شريك) [email protected]